الثاني : أنّ الشكّ في جانب السبب ، له لازمان واردان عليه في عرض واحد :
أحدهما حكم الشارع عليه بحرمة النقض بعموم دليل «لا تنقض» ، والآخر تكويني وهو توليده لشكّ آخر في جانب المسبّب ، فإذا كان هذا العموم وذلك الشكّ في مرتبة واحدة معلولين للشكّ في جانب السبب ، فكيف يصلح أن يكون أحدهما ـ وهو العموم ـ حكما واردا على المسبّب أيضا مع أنّ الحكم ينبغي أن يكون متأخّرا طبعا عن موضوعه؟!
ويتّجه على الوجه الأوّل : أن عموم «لا تنقض» إنّما يتوجّه إلى حكم أو موضوع ذي حكم. فأمّا الموضوع الخالي عن الحكم إمّا ذاتا أو بتعبّد شرعي فهو غير مشمول لهذا العموم وخارج عنه على وجه التخصّص ، وهاهنا لو كان العموم شاملا للشكّ المسبّب خلا الشكّ في جانب السبب عن هذا الأثر ، ولم يشمله عموم «لا تنقض» تخصّصا لا تخصيصا. مثلا : لو حكمنا بنجاسة الثوب في المثال كانت طهارة الماء غير محكومة شرعا بالمطهّريّة ، فكان «لا تنقض» لا يشملها ولو بالنسبة إلى هذا الأثر الخاصّ دون سائر الآثار ، فكان خروج كلّ منهما على تقدير دخول الآخر على وجه التخصّص دون التخصيص ، فتحصل المزاحمة ، ويسقط العموم عن الاعتبار بالنسبة إلى الجميع.
ويتّجه على الوجه الثاني : أنّ حكم العامّ وإن كان لازما للشكّ في جانب السببي لكنّ إذا سلم عن المزاحم ، وهو الآن أوّل الكلام ؛ فإنّ الخصم يدّعي مزاحمة شمولاه بشموله للشكّ في جانب المسبّب. وكون مرتبة المسبّب متأخرا لا يمنع عن المزاحمة ، ولا يقتضي تعيّن ذو المرتبة السابقة لشمول العموم ، كما هو واضح بملاحظة الأمثال والنظائر ؛ فإنّ «أكرم العلماء» إذا تزاحم فردان من أفراده أب وابن لا يتعيّن لشمول الأب.
وأمّا الكلام في الثاني ـ أعني ما إذا علم بارتفاع الحالة السابقة في أحد الشيئين ولم يكن الشكّ في أحدهما مسببا عن الآخر ـ فإمّا أن يكون الأثر مرتّبا على أحدهما فقط أو يكون مترتّبا على كليهما ، إمّا أن يلزم من إجراء الأصل في الأطراف مخالفة عمليّة لتكليف معلوم في البين أو لا يلزم إلّا مخالفة التزاميّة.
فهذه صور ثلاث.
وهناك مبان ثلاثة في كلمة «لا تنقض اليقين بالشكّ ولكن تنقضه بيقين آخر» على أحدها تخرج جميع الصور الثلاث ـ حتّى ما لم يكن أثر لأحد الطرفين ـ عن كونه مجرى