فلا يرجع إلى حكم التعادل ولا إلى حكم الترجيح إلّا بعد تعذّر الجمع ، أو أنّ الجمع غير العرفي لا ينظر إليه ، وأنّ المتعارضين الممكن جمعهما وغير الممكن جمعهما في حدّ سواء في دخولهما في محلّ البحث وجريان حكم التعادل والترجيح عليهما؟
وقبل الخوض في التكلّم في الأمر الأوّل ينبغي الإشارة إلى ضابط الجمع العرفي.
فاعلم أنّ الجمع العرفي يدور مدار كلمة واحدة ، وهي قوّة أحد المتعارضين في مقام الدلالة على صاحبه سواء بلغ مبلغ الصراحة أم لم يبلغ. والحاكم والمحكوم لا يشذّ عن هذا الضابط ؛ فإنّ تقديم الحاكم على المحكوم أيضا يكون بهذا المناط.
فلولا أظهريّة الحاكم لما كان يستحقّ التقديم على صاحبه ، سواء جعلنا الحاكم بمعنى المفسّر الفعلي لدليل المحكوم بحيث كان مقامه مقام «أي» و «أعني» الذي لازمه لغويّة دليل الحاكم لو لا دليل المحكوم ـ كما ذهب إليه شيخ مشايخنا المرتضى (١) قدسسره ـ ، أو جعلنا الحاكم بمعنى المفسّر بالقوّة والمفسّر الشأني بحيث لو فرض في قباله دليل كان هذا مفسّرا له فلا تلزم لغويّته لولاه ـ كما ذهب إليه الأستاذ (٢) (طالب ثراه) ـ ، أو قلنا : إنّه لا هذا ولا ذاك ، وأنّ الحاكم يقال لدليل محدّد للحكم الواقعي ، وكان في مقام ضبط الواقع بما هو واقع لا بما هو مدلول الدليل ، فإنّه لا ينافي بوجه دليل ذلك الحكم الذي هذا حدّده وإن كان دليله إطلاقا وعموما بل يقدّم هذا عليه ويعدّ شارحا لمدلوله ، ومحدّدا لمفاده.
مثل : دليل نفي الضرر ناظر إلى تحديد الأحكام الواقعيّة ، وأنّ الأحكام ليست في مورد الضرر ؛ فإنّه لا يعدّ معارضا لدليل تلك الأحكام ، بل يعدّ شارحا لمؤدّياتها لكن لا بما هي مؤدّياتها بالفعل ليرجع إلى التفسير الأوّل ، أو بالقوّة ليرجع إلى التفسير الثاني ، بل ذات المؤدّى ونفس الواقع صار مؤدّى دليل بالفعل ، أو بعد هذا ، أو لم يصر مؤدّى دليل أصلا.
هذا ، مع أنّه ليس عنوان الحاكم عنوان دليل ليهتمّ في أمره ، بل اصطلاح من الأصوليّين لجمع خاصّ من الجموع العرفيّة ، وقد عرفت أنّ مناطه كمناط سائر الجموع هو الأظهريّة ، لا أنّ الحاكم يقدّم ولو كان أضعف من المحكوم كما قيل (٣) ؛ إذ لو لا قوّة الحاكم في الدلالة على
__________________
(١) فرائد الأصول ٢ : ٧٥٠ و ٧٥١.
(٢) كفاية الأصول : ٤٣٧ ؛ درر الفوائد : ٦٤٢ ـ ٦٤٦.
(٣) كفاية الأصول : ٤٣٨.