تحديد الواقع من المحكوم الكاشف عن سعة الحكم وعدم تحديده بهذا الحدّ لم يعقل تقديمه عليه.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ البحث في عنوان التعادل وعنوان الترجيح يعمّ كلّ دليلين تعارضا ـ كان بينهما جمع عرفي أو لم يكن ـ فحكم صورة الجمع حكم سائر الصور ترجيحا وتخييرا ، ولا وجه لإخراج صور الجمع العرفي عن إجراء أحكام التعارض والإرجاع إلى الجمع العرفي إلّا توهّم أنّ دليل الاعتبار بجعل الأمارتين الظنيّتين كأمارتين قطع بصدورهما. ومن المعلوم أنّ الحكم في أمارتين قطعيّتين بينهما جمع عرفي هو الجمع فكذلك ما بحكمه ، فإنّه لا فرق بين سند قطعي بالوجدان وسند قطعي بحكم الشارع وتعبّده (١) ، لكنّه توهّم فاسد.
ويتّضح ذلك ببيان أمور :
الأوّل : أنّ الاعتبار فيما ثبت اعتباره بدليل الاعتبار هو بنفس دليل الاعتبار والعمل عليه والأخذ به سندا ودلالة ، وهو الحجّة في كلّ باب لا الأمارات الخاصّة القائمة على كلّ حكم حكم ، على أن يكون «صدّق» دليلا على الدليل ، ومعتبرا سند تلك الأمارات.
بيان ذلك : أنّ دليل «صدّق» على إجماله واختصاره حاو لكلّ حكم هو مدلول للأمارة منشئ لما يطابقه ويماثله ، فتمام كتاب وسائل الشيعة في طي «صدّق» وتحت طيلسانه. ومعنى اعتباره له ليس إلّا هذا ، ولا يتعقّل أن يكون معنى لاعتباره سندا لأمارة غير ما ذكرنا. فيكون في الحقيقة المعتبر سندا ودلالة هو هذا ، غاية الأمر لا يتعيّن مقدار مدلول هذا إلّا بملاحظة ذاك ، فذاك مقدّر لمدلول هذا ، ومقياس يتعيّن به مدلوله.
وبالجملة : كتاب وسائل الشيعة له وجودان : وجود بنحو البسط وهو الكتاب الخارجي الذي من كلام الرواة المحتمل للصدق والكذب ، وأخر بنحو اللفّ وهو الكتاب الإجمالي الذي تتكفّله عبارة «صدّق» غير المحتمل للكذب ، وهذا الكتاب هو الحجّة دون ذاك ، وإنّما نحتاج إلى ذاك لأجل التوصّل إلى مدلول هذا وتعرّفا على مضمونه وتعيينا لمؤدّاه. ثمّ بعد ذلك المقدار في العمل والفتوى على هذا دون ذاك.
__________________
(١) كفاية الأصول : ٤٣٩.