ومقدار من ذاك على اختلاف المقدارين أيضا تركا وأخذا.
وليس للأخير ترجيح على الأوّلين كما ليس للأوّلين ترجيح على الأخير ؛ إذ ليس الأخير عملا بصدق في تمام مدلوله حتّى يتعيّن ، بل هو عمل في كلّ فرد بمقدار منه ، وليس الأخذ بنصفي فردين أولى من الأخذ بنصفي فرد واحد ـ وهو تمام أحد الفردين ـ كما أنّ العكس أيضا ليس بأولى ، وحينئذ فلو بني على استفادة التخيير من نفس دليل الاعتبار وجب التخيير بين الجمع والأخذ بأحدهما.
نعم ، على مبنى التساقط والرجوع إلى الأخبار الخاصّة كان ظاهر أخبار التخيير هو التخيير بين أخذ كلّ وطرح الآخر ، ولا يكون الجمع داخلا في أطراف التخيير.
ثمّ إنّ هاهنا أمورا :
[الأمر] الأوّل : أنّ كلّ دليلين كان أحدهما رافعا لموضوع الآخر حقيقة خارج عن موضوع التعارض حقيقة ، لا أنّه من المتعارضين اللذين كان بينهما جمع عرفي ، فأدلّة اعتبار الأمارة بناء على أنّها واردة على أدلّة الأصول غير متعارضة لها بوجه ، بل عمومها وشمولها يكون قاطعا لدابر أدلّة الأصول. فعدّ تقديمها عليها من الجمع والتوفيق العرفي ـ كما عن الأستاذ العلّامة قدسسره مع اختياره ـ (١) ممّا لا وجه له.
[الأمر] الثاني : أنّ مدار الجمع العرفي على وجود ظهور قويّ في البين ، فيتصرّف بسببه في الظهور الضعيف ، سواء كان ظهورا وضعيّا أو بالقرينة ، وسواء كان ذو الظهور القوي أحدهما أو كلاهما مجتمعا أو كلّا منهما ، فيكون هذا أظهر من الآخر في جهة وذلك أظهر من هذا في أخرى ، كما في «افعل» و «لا تفعل» فيؤخذ بصريح «افعل» وهو الترخيص في الفعل ، ويترك ظاهره وهو الرجحان والوجوب ، ويؤخذ بصريح «لا تفعل» وهو مرجوحيّة الفعل ، ويترك ظاهره وهو التحريم ، فكلّ يكون قرينة على صاحبه في جهة ، وقد عرفت أنّ التقديم على وجه الحكومة أيضا يدور مدار الأظهريّة ، ولو لاه لم يقدّم دليل على دليل.
[الأمر] الثالث : قيل : إنّ الحكومة والورود تكونان في الأصول اللفظيّة أيضا ، فالقرينة تكون واردة على أصالة الظهور إذا كانت قطعيّة ، وحاكمة إذا كانت ظنّيّة. وينبغي أن يراد من
__________________
(١) كفاية الأصول : ٤٣٨.