الحكومة الظنّيّة حكومة دليل اعتبار سندها ، فإنّ اعتبار القرينة بإزاء العموم اللفظي ، يرجع إلى إلغاء العموم اللفظي ، وعدم الاعتداد به في مقابل هذه القرينة المنصوبة. هذا بناء على أن يكون اعتبار أصالة الظهور من باب أصالة عدم القرينة ، وأمّا اذا كان من باب الظنّ النوعي بإرادة الحقيقة الحاصل من الغلبة أو غيرها فالقرينة واردة مطلقا.
ويتّجه عليه الإشكال من وجوه :
[الوجه] الأوّل : أنّ الأصول اللفظيّة عبارة عن عمل أهل اللسان والمحاورة ، فهي مأخوذة من عملهم وعنوان عملهم. والعمل على طبق الظهور مع القرينة الظنّيّة التي اعتبرت إمّا أن يكون أو لا يكون ولا ثالث ، فإن كان فمعنى ذلك طرح دليل اعتبار سند القرينة ، وإن لم يكن فذلك معنى الورود ، وأنّ عملهم مقصور بغير صورة القرينة قطعيّة كانت أو ظنيّة معتبرة ، مع أنّ القرينة دائمة تكون قطعيّة ؛ فإنّ القرينة في الحقيقة هي دليل اعتبار هذه الأمارة الظنّيّة ، وهي قطعيّة سندا.
فيكون التعارض في الحقيقة بين عموم دليل اعتبار سند الخاصّ وبين دليل العامّ ، ومعنى تقديم الخاصّ هو أنّ أهل اللسان يأخذون بعموم دليل «صدّق» الشامل للخبر الخاصّ ، ويتركون العموم الذي هو في مقابله ، ولا يعكسون الأمر ، أو يتركون كلا الظهورين مع أنّ النسبة بينهما هو العموم من وجه.
[الوجه] الثاني : أنّ التفصيل بين اعتبار أصالة الظهور من باب أصالة عدم القرينة وبين اعتبارها من باب الظنّ النوعي باختيار حكومة القرينة الظنّيّة على الأوّل ، وورودها على الثاني ممّا لا نتعقّله ؛ فإنّ جهة البناء وكونها هذا أو ذاك لا توجب اختلاف النسبة ورودا وحكومة ، فإن كان العمل غير موجود مع القرينة كان ورودا ، منشأ عملهم كائنا ما كان.
[الوجه] الثالث : التفصيل بين المبنيين يؤذن بأنّ مبنى العمل إمّا هذا فقط أو ذاك فقط ، مع أنّه هذا وذاك جميعا ، هذا في مقام وذاك في مقام. فإن أحرز الظهور وشكّ في قيام قرينة منفصلة كان الأخذ بالظهور مبنيّا على أصالة الظهور من باب الظنّ النوعي بإرادة ما يطابق الظهور ، وإن لم يحرز الظهور ـ لقيام اتّصال الكلام بقرينة تمنع من انعقاد ظهوره الأوّلي ـ كان الأخذ بظهور الكلام لو لا القرينة مبنيّا على أصالة عدم القرينة ، والبناء على عدم القرينة ، فيؤخذ بظهور له لو لا القرينة.