المقصد الأوّل : في حكم تعارض الأمارتين بحسب الأصل الأوّلي لو لا الأدلّة الخاصّة المتعرّضة لحكم خصوص صورة التعارض ، يعني أنّ دليل اعتبار الأمارة هل له اقتضاء في صورة تعارض فردين منها واجدتين لتمام ما يعتبر من الخصوصيّات ، أو ليس له اقتضاء إمّا ذاتا وبانصرافها عن صورة التعارض أو عرّضا ولحصول الإجمال فيه بسبب التعارض ، فلا يكون حجّة في كلّ واحد بعينه بالنسبة إلى مدلولهما المطابقي وإن كان حجّة فيهما ، أو في أحدهما بالنسبة إلى المدلول الالتزامي المشترك بينهما ، وهو نفي الثالث؟
فنقول : أمّا دعوى الانصراف ففي غير محلّها ؛ لعدم سبب الانصراف بعد دخول كلّ من المتعارضين في عنوان الموضوع ، وإن لزم من الأخذ بهما تصديق أمارة معلوم الكذب على سبيل الإجمال.
وأمّا الإجمال العرضي فمحصّل الكلام فيه أنّ شمول دليل الاعتبار لكلتا الأمارتين مستلزم للعمل بأمارة علم كذبها ، والأمارة المعلوم كذبها ولو على سبيل الإجمال لا يعقل اعتبارها طريقا إلى الواقع ، فلا جرم يحكم بعدم شمولاه لكلتا الأمارتين.
وأمّا شمولاه لأحدهما المعيّن فهو وإن لم يكن فيه المانع المذكور ، لكنّه ترجيح بلا مرجّح. والواحد المردّد ليس من أفراد العامّ. فلا مقتضى لشمولاه له.
وأمّا شمولاه لهما وحمل الحكم على التخييري فهو مستلزم لاستعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد : التخييري بالنسبة إلى صورة التعارض ، والتعييني بالنسبة إلى غيرها. فيؤول الأمر إلى إلغاء دليل الاعتبار وإذا ألغي بالمرّة ، بمعنى أنّه كما لا يؤخذ بكلّ من الأمارتين في مدلولهما المطابقي كذلك لا يؤخذ بهما في مدلولهما الالتزامي حتّى نفي الثالث ، فجاز الرجوع إلى الأصل المخالف لهما لا أنّه يؤخذ بهما في نفي الثالث ، ولا أنّه يؤخذ بأحدهما في نفيه.
أمّا الأوّل ؛ فلأنّ اعتبارهما جميعا بالنسبة إلى المدلول الالتزامي ـ حيث لم يعلم بكذبهما فيه ـ مستلزم للتفكيك في اعتبار الأمارة بين المدلول المطابقي والالتزامي ، ولو جاز ذلك لزم في صورة العلم التفصيلي أيضا بكذب أمارة أن يؤخذ بمدلولها الالتزامي غير معلوم الكذب وهذا وإن لم يكن فيه محذور ؛ لأنّ الالتزام يتّبع المطابقة وجودا لا حجّيّة ،