والتحريم ، ومعناه إنشاء حكم ظاهري على سبيل التعيين مطابق ما اختاره المكلّف من الحكمين المتزاحمين.
وقد يطلق ويراد منه التخييري في تعيين الحجّة ، فتكون الحجّة هو ما اختاره المكلّف من الخبرين المتعارضين ، ومتعلّق الاختيار المأمور به في هذه الصورة لا يخلو عن أحد أمور ثلاث :
الأوّل : أن يكون متعلّقه الحجّة فتكون الحجّة الفعليّة عند تعارض الخبرين هي عنوان ما اختاره المكلّف من الخبرين المتعارضين لأن يكون حجّة في حقّه.
الثاني : أن يكون متعلّقه هو مضمون الخبرين ، فتكون الحجّة في حقّه ذاك الذي اختار أن يكون مضمونه حكما له.
الثالث : أن يكون متعلّقة هو ما اختاره من الخبرين لأجل العمل ، فيكون ذلك الذي اختاره للعمل هو الحجّة في حقّه.
والكلّ باطل.
أمّا أوّلا ؛ فلأنّ مقتضى جميع الاحتمالات ألا تكون له حجّة قبل مرتبة الاختيار ، فصحّ أن يرجع إلى الأصول حيث لم يختر ، أقصاه الحكم بالعصيان بترك الاختيار إذا كان الاختيار واجبا بنفسه. مع أنّ الاختيار ليس واجبا من الواجبات ، وليس معنى «تخيّر» إلّا إنشاء مماثل ما اختاره كما أنّ معنى «صدّق» إنشاء مماثل ما أدّت إليه الأمارة.
وأمّا ثانيا : فلأنّ الحكم لا يعقل أن يكون تابعا لاختيار المكلّف ودائرا مداره ، مع أنّ الاختيار لا يتعلّق إلّا بفعل النفس ، فأمّا الذوات والأفعال فتلك غير متعلّقة للاختيار إلّا بواسطة فعل النفس. وعليه ، فكيف يعقل تعلّق الاختيار بالحكم الذي هو مضمون الخبر أو بالحجّة كما في الاحتمالين الأوّلين؟!
وبالجملة : لا معنى للأمر بالتخيير إلّا الترخيص في ترك الموافقة القطعيّة ، والاقتصار على الموافقة الاحتماليّة من دون إنشاء حكم شرعي على طبقه.
ومن ذلك يظهر أنّ حمل أخبار الترجيح على الاستحباب أيضا لا معنى له ؛ إذ ليس هناك أمر بالترجيح ليحمل على الاستحباب ، بل معنى الأمر بالترجيح هو إنشاء ما أخبرت به الأمارة الراجحة ، فمؤدّاه ومؤدّى دليل «صدّق» واحد ، غاية الأمر هذا يختصّ بصورة