بمناط حصول الوثوق من أحد الخبرين بما لا يحصل من الآخر من غير مدخليّة لأوثقيّة الشخص ، فلو حصل هذا الوثوق من جهة أخرى غير أوثقيّة الراوي رجّح ذيه على صاحبه.
وفيه : أنّ هذا أشبه شيء بالتمسّك بأدلّة حجّيّة خبر الواحد لإثبات حجّيّة الشهرة بدعوى أنّ المناط في حجّيّة خبر الواحد هو المظنّة ، والشهرة لا تقصر عن الخبر في إفادة الظنّ. ويتّجه عليه :
أوّلا : بعدم العلم بالمناط ؛ لاحتمال خصوصيّة السبب الخاصّ في ذلك.
وثانيا : لا يعقل أن يكون المناط أوثقيّة الرواية ؛ لعدم معقوليّة الوثوق بالمتعارض حتّى يعقل أوثقيّة أحدهما ، فلا بدّ أن يكون المناط هو خصوص أوثقيّة راوي أحدهما من راوي الآخر ، وإن لم يحصل وثوق فعلي منهما في مادّة التعارض.
وأما الثاني والثالث فهو تعليل الترجيح بالشهرة ب «أنّ المجمع عليه لا ريب فيه» ، وتعليل الترجيح بمخالفة العامّة بأنّ الرشد في خلافهم وفيما وافقهم التقيّة ، بتقريب : أنّ الريب المنفي في المجمع عليه ليس هو مطلق الريب المساوق للقطع بالواقع ، بل الريب بالإضافة إلى الآخر ، والتعليل يقتضي التعدّي إلى كلّ ما يوجب أبعديّة أحد الخبرين عن الريب بالنسبة إلى الآخر. وكذا تعليل الأخذ بمخالف العامّة بأنّ الرشد في خلافهم ليس بمعنى أنّ خلافهم هو مرّ الواقع (١) ، بل بمعنى أنّ فيه أمارة الرشد بسبب مخالفة العامّة.
وفيه : أنّ هذا مبنيّ على أن يكون الريب المنفي بمعنى الريب عند المخاطب حتّى بقرينة وجود جنس الريب في الخبر المجمع عليه على الريب بالإضافة إلى الخبر الشاذّ ، أمّا إذا كان بمعنى عدم الريب التعبّدي فيكون إنشاء للحكم بلسان نفي الريب كما في مثل : «لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه ثقاتنا» (٢) فلا يبقى مجال للتعدّي. ويمكن أن يكون المراد من نفي الريب نفي كون المجمع عليه قابلا للريب ، وصالحا له ، وممّا ينبغي أن يرتاب فيه ، مريدا بذلك إنشاء الحكم على طبقه ، لا أنّه لا ريب فيه فعلا. ومنه يظهر الكلام في التعليل بالرشد في خلاف العامّة.
__________________
(١) مرّ : شدّ عليه الحبل. وهو كناية عن كلّ ممتنع يسلّط عليه ، وفي المقام «مرّ الواقع» بمعنى تحصيل الواقع والشّدّ عليه.
(٢) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٥٠ أبواب صفات القاضي ، ب ١١ ، ح ٤١.