وكذلك لو كان المعلوم بالإجمال حكما شأنيّا على بعض التقادير ، كما إذا كان مردّدا بين أطراف خارج بعضها عن محلّ الابتلاء ، أو كان المكلّف مضطرّا لارتكاب بعضها ؛ فإنّ ذلك يكون من الشكّ في التكليف الفعلي الذي هو مجر للبراءة.
ومثلهما ما لو كان المعلوم بالإجمال غير متوجّه إلى المكلّف على جميع احتمالاته ، كما في واجدي المني في الثوب المشترك ؛ فإنّ كلّا من الشخصين يكون شاكّا في تكليف نفسه.
وبعد ما حرّرنا البحث كما حرّرنا ، لا يبقى شكّ بالنسبة إلى المقام الأوّل ؛ وذلك لوضوح أنّ حكم العقل بمتابعة القطع لم يرد على قطع خاصّ بل كلّ قطع بحكم فعلي متوجّه إلى المكلّف موضوع لحكم العقل ـ كان هناك في المتعلّق إجمالا أم لا ـ وكيف يعقل أن يرخّص العقل في نبذ حكم المولى وراء الظهر ـ بعد إحرازه والقطع به ـ اعتذارا بأنّه غير معلوم متعلّق حكمه بالتفصيل؟!
نعم ، مع الإجمال في نفس التكليف ، كما إذا علم إجمالا بإلزام إمّا بالفعل أو الترك من شيء واحد ، الذي ذكروه مجرى لأصالة التخيير لم يبعد ألا يلزم العقل بشيء ، وكان الحكم هو البراءة ، وسيأتي بيانه في محلّه.
واعلم أنّ موضوع حكم العقل هو الإطاعة الواقعيّة دون المعلومة أو المحتملة ، فإنّه يرد على ما يرد عليه حكم المولى. نعم ، بينهما فرق وهو أنّ حكم المولى وارد على ذات الفعل بعنوانه الواقعي ، وهذا يرد بعنوانه الكسبي الآتي من قبل تعلّق الأمر به ، أعني عنوان الإطاعة.
ثمّ إنّ هذا الموضوع غير محرز بعد إتيان المكلّف بشيء من الأطراف ، ومن المعلوم أنّ العقل وكلّ حاكم لا يوجّه حكمه مع عدم إحراز موضوعه ؛ فإن كان له في وعاء عدم إحراز عنوان الإطاعة حكم ، كان ذلك حكما بعنوان آخر ـ وهو عنوان لزوم تحصيل اليقين بفراغ الذمّة بعد اليقين بالاشتغال ـ وهو المقام الثاني من المقامات الثلاث التي أشرنا إليها. والظاهر أنّه لا إشكال في حكم العقل بذلك ؛ فإنّ حكمه هذا كحكمه السابق لا يختصّ بمورد العلم الإجمالي ، بل إذا علم تفصيلا بحكم ثمّ شكّ في امتثاله حكم العقل بوجوب تحصيل اليقين بالفراغ.
والمناط ما ذكرناه من تحصيل اليقين بالفراغ بعد اليقين بالاشتغال ، فكان الإسقاط