للتكليف كالإثبات له لا يكون إلّا بالعلم ، والمكلّف تحت حكم العقل بالاشتغال مع عدم العلم الأوّل ، كما أنّه تحت حكمه بالبراءة مع عدم العلم الثاني.
وربما توهّم جواز الاقتصار على الامتثال الظنّي في المقامين وترك جانب الموهوم ؛ زعما بأنّ إلزام العقل بالإطاعة إنّما هو بمناط دفع الضرر ، ودفع الضرر الموهوم غير لازم في حكم العقل.
ويدفعه : أنّ عنوان الإطاعة موضوع مستقلّ في حكم العقل ، وغير مبني حكمه ذلك على ترتّب الضرر على تركه ، وإلّا وجب الاحتياط في موارد الظنّ بالتكليف ، مع أنّ الضرر المترتّب على ترك الطاعة لا يخلو إمّا أن يكون هو المناط الباعث للتكليف ، أو هو العقاب المترتّب على مخالفة التكليف.
والأوّل باطل بأنّ التكليف لا يلزم أن يكون من قبيل الفرار عن المضارّ.
والثاني باطل بأنّ العقاب مترتّب على ثبوت حكم العقل بالإطاعة ، فكيف تترتّب هي عليها؟!
وبالجملة : لا ينبغي الريب في عموم حكم العقل بالاحتياط في الأطراف من غير فرق بين مظنون التكليف منها وموهومه ، وإلّا لزم الترخيص في ارتكاب أطراف الشبهة إذا تساوى احتمال التكليف فيها ؛ لأنّ مشكوك الضرر كموهومه في عدم وجوب التحرّز إلّا على مذهب ضعيف.
بقي الكلام في ثالث المواقع ، والحقّ فيه هو أنّ الحكمين العقليّين السابقين ـ اللذين كان أحدهما بمناط الإطاعة والآخر بمناط الاحتياط في الإطاعة ـ كلاهما حكمان أبديّان غير محدودين بعدم ورود الترخيص من الشارع ، فإذا ورد عموم أو إطلاق دليل يفيد الترخيص في الأطراف ـ كلّا أو بعضا ـ خصّص ذلك الدليل بحكم العقل ، فلا جميع الأطراف قابل للترخيص ولا بعض الأطراف.
كلّ ذلك في موضوع فعليّة الحكم المعلوم بالإجمال الذي عرفت أنّه محلّ الكلام.
وأمّا رفع حكم العقل برفع فعليّة الحكم فذلك بمكان من الإمكان ، بل في مورد العلم التفصيلي بالحكم أيضا يأتي هذا ، فضلا عن العلم الإجمالي. فإذا رفع المولى يده عن الحكم الفعلي المعلوم بالتفصيل ، ذهب حكم العقل بسبيله وجاء الترخيص. فليس حكم العقل إلّا