كحكم الشرع إذا توجّه إلى موضوع في أنّه لا يزول إلّا بزوال موضوعه ، فإن أخذ في موضوعه عدم ترخيص الشارع ـ كما أخذ في موضوع حكمه بالبراءة عدم بيان التكليف ـ زال حكمه بورود الترخيص من الشارع ، وإلّا لم يزل.
وقد عرفت أنّ موضوعي حكمي العقل في المقام تعلّق العلم بالتكليف الفعلي غير مقيّد بقيد ، فما دام هذا الموضوع دام الحكمان ، وإذا زال زالا ثمّ جاز الترخيص الشرعي فعموم أدلّة البراءة وشمولها لأطراف العلم الإجمالي لا سبيل إلى الأخذ به ما دام تعلّق العلم الإجمالي بالحكم الفعلي على كلّ تقدير محفوظا ؛ وذلك لعدم اجتماع حكمين فعليّين على جانبي النقيض ، وهذا كما يمنع من الترخيص فيها بعضا.
وأمّا الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري في مورد الشكّ البدوي ، فسيأتي أنّه غير معقول مع حفظ الفعليّة للواقع ، فلا يمكن الجمع إلّا برفع اليد عن فعليّة الواقع.
ثمّ لا فرق في الحكم المعلوم بالإجمال بين أن يكون معلوما بالوجدان ، أو كان ممّا قامت عليه الحجّة ، فإذا قامت الحجّة على وجوب واحد من الظهر والجمعة قطعت تلك عموم دليل الرفع الشامل لكلّ واحد من الأطراف ، من غير أن يعارض دليله بدليله.
وأيضا لا فرق بين أن يكون الخطاب المعلوم في البين تفصيليّا مردّدا بين متعلّقين ، أو إجماليّا مردّدا بين خطابين ، كما إذا علم أنّ أحد الإناءين إمّا خمر أو مغصوب ؛ فإنّ إرادات الشارع كثرات إرادة واحدة بمناط واحد (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) ... (وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ)(١) والبسط والشتات باعتبار شتات المتعلّق.
بل الإرادات الإيجابيّة والتحريميّة ما لهما إلى إرادة أمر واحد منطبق تارة على الفعل فيسمّى بالإيجاب وأخرى على الترك فيسمّى بالتحريم.
وأمّا المقام الثاني ـ وهو مقام سقوط التكليف بالامتثال الإجمالي ـ : فالحقّ جوازه في الواجبات التوصّليّة بإتيان أطراف الاشتباه ، وإن لزم من ذلك التكرار في الفعل وكان المكلّف متمكّنا من تحصيل العلم التفصيلي في المسألة ، أو تحصيل الحجّة في بعض الأطراف.
__________________
(١) النحل (١٦) : ٩٠.