بالبعث دخيل في الدخول تحت الإرادة.
فالإرادة متعلّقة بمن وصل إليه البعث وعلم بالبعث وقد التجأ شيخ مشايخنا المرتضى رحمة الله إلى اختيار هذا المسلك في مبحث البراءة في جواب استدلال الأخباريّين على وجوب الاحتياط بالدليل العقلي (١) أو قام علمي عنده على البعث ، وما لم يتحقّق أحد الأمرين لا إرادة.
وبالجملة : متى تحصّل تقدير إرادة المولى ـ وهو علم العبد ببعثه ـ تحقّقت الإرادة ، ومتى لم يتحصّل هذا التقدير لم تتحقّق الإرادة. وأنت إذا تأمّلت خطابات وسبرتها رأيتها طرّا من هذا الوادي وكأنّها من الإرادات التقديريّة ، فالمولى يريد السقي بقوله : اسقني ، لكن لا مطلقا بل بشرط أن يصل هذا الخطاب إلى سمع العبد ثمّ ينتقل منه إلى معناه بأن لا يخطى في استظهار ما هو ظاهر ، بل كلّ متكلّم يريد إفهام مخاطبه بالشرطين المذكورين وكذلك يطلب الجواب منه على الشرطين المذكورين.
وما يقال ويلتزم في موارد جعل الأمارات والأصول من إنشاء أحكام ظاهريّة على طبق مؤدّياتها في عين فعليّة الأحكام الواقعيّة (٢) فذاك قول لا يتخلّص عن إشكال ابن قبة من لزوم تحليل الحرام وبالعكس ؛ مريدا بذلك اجتماع الضدّين ، بل ومن محذور لزوم اجتماع النقيضين في ما دلّت الأمارة على عدم وجوب واجب أو عدم حرمة حرام. وأيضا من محذور طلب الضدّين في ما إذا أدّت الأمارة أو الأصل إلى وجوب ضدّ ما هو واجب واقعا ، ولا مدفع لهذه المحاذير وإن قيل فيه ما قيل من الأجوبة التي سبقت إليها الإشارة.
ويشارك القول بجعل أحكام ظاهريّة في المحذور الالتزام بجعل الحجّيّة في الأمارات وإن ظنّ أنّه يتخلّص به عنه ؛ فإنّه على تقدير معقوليّة جعل الحجّيّة والغضّ عمّا ذكرناه أوّلا ـ من أنّ الحجّيّة غير قابلة للجعل وأنّها منصب يختصّ بالعلم ـ ممّا لا يدفع المحذور ؛ إذ مع فعليّة الأحكام جعل الحجّة على الخلاف يفضي إلى اجتماع الضدّين لإيجاد موضوعين متعاكسي الحكمين عند العقل : أحدهما التكليف الواقعي المستتبع لحكم «أطع» والآخر جعل الحجّة المستتبع لحكم «اتّبع من العقل» مع استلزام متابعة أحدهما ترك متابعة الآخر.
__________________
(١) فرائد الأصول ١ : ٣٥٤.
(٢) كفاية الأصول : ٢٧٨ و ٢٧٩.