وهل تتصوّر حجّة هي ممّا يحرم العمل عليها ، أو يتصوّر تكليف واقعي هو جائز المخالفة؟ وكيف تجتمع الإرادة الواقعيّة مع جعل العذر ؛ فإنّه لا معنى متحصّل لجعل العذر إلّا رفع الإرادة الواقعيّة ؛ وذلك هو ما ذكرناه من كون الإرادة فعليّة على تقدير ولا فعليّة على آخر.
وبالجملة : لا يوفّق الأحكام الواقعيّة والظاهريّة إلّا بأحد وجهين : إمّا برفع اليد عن الإرادة الواقعيّة رأسا وصرف التكليف إلى مؤدّيات الطرق وذلك مسلك السببيّة الذي قيل : إنّه تصويب باطل ، أو قصر فعليّة الواقعيّات المنشورة في طيّها وعدم فواتها على المكلّف. وهذا هو المختار.
وتظهر ثمرة المسلكين في موارد خطأ الأمارات ، فلا طلب على الأخير وهناك طلب واقعي على الأوّل.
ولازدياد توضيح المقام نشرح لك الطلب وكيفيّة إناطته بالعلم لتكون على بصيرة من جعل كيفيّة الأمارات والأصول ، وأنّ إناطة التكليف بأداء الأمارة والأصل هو بعينه إناطته بالعلم.
فاعلم أنّ التكليف إرادة خاصّة من المولى متعلّقة بفعل المكلّف ، فعلا اختياريّا حاصلا بداعي بعث المولى وتحريكه الحاصل بإعلامه بإرادته لغرض حصول المراد ، فخرج بالقيد الأوّل إرادته المتعلّقة بفعل نفسه ، وبالقيد الثاني إرادته المتعلّقة بفعل العبد الاضطراري ؛ فإنّها ليست تكليفا ولا مقدّمات تحصيل ذلك المراد ببعث الطلب ، بل هي قهر وإجبار ، وبالقيد الثالث إرادته المتعلّقة بالفعل الاختياري ، لكن لا ما كان سبب اختياره البعث ، بل سائر الأسباب التحبيبيّة والترهيبيّة ، ومن ذلك الإجارة والجعالة وكلّ وعد على الفعل ووعيد ، فإذا كان التكليف هو إرادة فعل غير إرادة خاصّة ومن طريق البعث والإعلام بالإرادة كان المراد والمكلّف به أيضا خاصّا بهذه الخصوصيّة ، أعني فعل العبد الحاصل عن علمه بالبعث لا مطلق الفعل ، والفعل من أيّ طريق حصل.
فإنّ نتيجة مقدّمات رتّبها المولى في طريق الوصول إلى غرضه هي متعلّق إرادته لا غيرها ، فالمتولّد من المقدّمات أخيرا هو المحرّك إلى ترتيب المقدّمات أوّلا ، والمقصود المحرّك إلى ترتيب المقدّمات هو الحاصل المتولّد من المقدّمات لا يتخطّى