أحدهما عن صاحبه مقدار شعرة.
ولا يعقل أن يكون المراد أوسع ممّا هو نتيجة المقدّمات ، ونتيجة المقدّمات عرفت أنّها هو الانبعاث من بعث المولى والفعل الحاصل بداعي بعثه ، ومعلوم أنّ كيفيّة الانبعاث هو أن يعلم العبد ببعث المولى فيحرّك علمه ذلك نحو العمل ، فالفعل بتحريك هذا العلم يكون هو المراد وهو المكلّف به في باب التكاليف لا ما هو أوسع من ذلك ولا ما هو أضيق. فمتعلّق التكليف دائما خاصّ خصوصيّته صدوره عن العلم بالبعث وبتحريكه ، فكان العلم دخيلا في التكاليف دخل القدرة والبلوغ والعقل ، فلا إرادة مع عدم هذا العلم.
والإرادة التي ثابتة لا تزول مع علم المكلّف وجهله هي الإرادة التكوينيّة التي لا يتحيّل المريد في استحصال مقصوده بالبعث ، بل يقوم بمقدّمات أخر منتجة لمقصوده لا محالة إن علم بذلك العبد أو جهل.
إذا تحقّقت هذه الجملة فاعلم أنّ إنشاء الطلب تارة يكون بالقول الصريح وأخرى يكون بالقول الظاهر ، وقضيّة هذا الأخير هو عدم إرادة المولى للواقع حيثما أخطأ المكلّف في الاستظهار من العبارة ، فكانت إرادته إرادة على تقدير ، وذلك التقدير تقدير إصابة العبد في فهم المراد لا إرادة على جميع التقادير. ومعنى حجّيّة الظواهر هو هذا ، يعني أنّ الواقع مراد على تقدير وصول المكلّف إليه من طريق الظهور غير مراد على تقدير عدم وصوله إليه من هذا الطريق ، فمعنى حجّيّة الظواهر هو كونها تقادير لإرادة المولى. وأيضا قد يوصل المولى إنشاءه هذا إلى المكلّف بلا واسطة وبخطابه به ، وقد يرسله إليه بالواسطة ، والواسطة إن كانت علميّة لا كلام ، وإن كانت ظنّيّة فمعنى اعتبار قول تلك الواسطة هو كون الواقع مرادا على تقدير الإصابة غير مراد على تقدير الخطأ ، فكان معنى حجّيّة الأمارات الظنّية ـ بل وكذا الأصول ـ هو كونها تقادير إرادة المولى. فعلى تقدير له إرادة وهو تقدير إيصال ذلك الأصل أو الأمارة إلى الواقع ، وعلى تقدير لا إرادة وهو تقدير الخطأ وعدم المصادفة.
تنبيه
البعث الذي قلنا : إنّ عليه مدار فعليّة التكاليف هو البعث الأعمّ ممّا يطابق الإرادة الواقعيّة الأوّليّة وما كان صيانة لذلك الواقع وتحفّظا عليه من أن يفوت على المكلّف ،