أحكام القطع
قالوا : لا ريب في وجوب متابعة القطع والعمل عليه عقلا. وأيضا لا ريب في أنّ القطع منجّز لما تعلّق به من الحكم عند الإصابة. ومعذّر مع الخطأ ، يعني تصحّ العقوبة على مخالفة التكليف عند الإصابة ، وتقبح عند الخطأ ، وهذه أحكام ثلاثة مرتّبة على القطع (١).
وفي كلّ ذلك عندي نظر ؛ أمّا حديث وجوب متابعة القطع عقلا ، فيردّه أوّلا : منع حكم العقل بوجوب متابعة القطع ، حتّى إذا قطع الشخص بوجوب الصلاة كان هناك حكمان عقليّان : أحدهما وجوب الإطاعة والآخر وجوب متابعة القطع ، ولو قطعنا بإباحة شيء كان هناك حكم عقلي واحد بوجوب متابعة القطع ، بل الحركة نحو إتيان المقطوع تأثير تكويني خارجي للقطع لا حكم عقلي للقطع.
بيانه : أنّ للعقل قوّتان : قوّة شامخة علميّة ، وهذه هي القوّة المدركة العلّامة الحاكمة ، وأخرى عمّالة مؤثّرة في تحريك العضلات تستخدمها القوّة العلّامة. ولكلّ من القوّتين شعبتان لا تزيد عن ذلك ولا تنقص ، فبقوّته العلميّة يدرك أمرين : حسن الإحسان وقبح الظلم. وكلّ حكم عقلي فرض فهو من جزئيّات هذين الحكمين. قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ)(٢).
__________________
(١) كفاية الأصول : ٢٥٨.
(٢) النحل (١٦) : ٩٠.