الاطمئنان وسكون النفس ، وصفة الاطمئنان ليست من مقولة الإدراك ، بل هي متولّدة من العلم والإدراك تارة ومن الظنّ أخرى بل ربما تتخلّف عن العلم ، قال الله تعالى : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)(١).
فسكون النفس حالة تغتري النفس تبعث العضلات نحو المطلوب. فما زعموه أنّه للقطع ليس هو للقطع بل هو لصفة أخرى نسبتها مع القطع عموم من وجه ، فربما يجتمعان ، وفي مادّتين يفترقان.
وأمّا منجّزيّة القطع مع الإصابة ومعذّريّته مع الخطأ فباطل ؛ بأنّ الأوّل منهما أثر لكلّ احتمال لتكليف منجّز ، كان احتمالا جازما لا يحتمل معه الخلاف أو كان احتمالا غير جازم يحتمل معه الخلاف. ولذا يعاقب على مخالفة التكاليف المشتبهة قبل الفحص ، وكذا يعاقب على مخالفة التكاليف في باب الدماء والفروج ؛ لأهمّيّة تلك التكاليف وتنجّزها بمجرّد الاحتمال. وإنّما لا تنجّز في موارد البراءة ؛ لأنّ احتمال التكليف فيها ليس احتمالا لتكليف منجّز بل احتمال لتكليف يؤمّن العقل من العقاب عليه على تقدير وجوده.
فصحّ أن نقول : المنجّز للتكليف هو احتمال التكليف لا القطع بالتكليف. وإنّما القطع منجّز بمناط أنّه احتمال للتكليف لا بمناط أنّه قطع به حتّى تعدّ المنجّزيّة من أحكام القطع.
نعم ، احتمال التكليف الذي لا مؤمّن عقلي في مورده منجّز لا كلّ احتمال للتكليف.
وأمّا المعذّريّة فتلك حكم الجهل بالتكليف ، وأثر ستره الواقع [سواء] كان الجهل مركّبا وهو الجهل المقرون بالاعتقاد ، أو بسيطا وهو الجهل الخالي عن الاعتقاد. فليست المعذّريّة أيضا أثرا للقطع بما هو قطع.
فصحّ أن نقول : إنّ الأحكام الثلاثة المتقدّمة ليست أحكاما للقطع بما هو قطع.
أقسام القطع
ينقسم القطع إلى قطع طريقي محض ، وهو الذي تقدّم أنّه لا تطلق عليه الحجّة ، وأنّه تجب متابعته عقلا وأنّه منجّز مع الإصابة ومعذّر مع الخطأ ، وإلى موضوعي ، وهو ما أخذ في
__________________
(١) البقرة (٢) : ٢٦٠.