قوله تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا)(١).
فتلك المحاورة بين مريم وبين الوحي تُبيّن الإصطفاء الإلهي المقدّس الذي حظيت به مريم عليهاالسلام، فتمثّل جبرئيل بشراً سوياً ليُلقي لها البشارة من الله تعالى ويكشف ذلك عن الدرجة التي بلغتها مريم كحجّة من حجج الله تعالى، إذ التمثّل هذا نظير التمثّل الذي حدث لإبراهيم عليهالسلام عند إتيانه البشارة كما في قوله تعالى: (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ)(٢) البشارتان كانتا في سياق واحد، إنّه منح إبراهيم إسحاق ويعقوب نبييّن، كما مَنَحَتْ مريم عليهاالسلام عيسى نبياً مرسلاً، فالتشابه في مهمّتي نبي الله إبراهيم لتلقيّه البشرى في إسحاق ويعقوب كمهمّة مريم في تلقّيها البشارة الإلهية في عيسى عليهالسلام، وهذه البشارة الإلهية لها دلالاتها الخطيرة في مهام المبشِّر فضلاً عن المبشَّر به.
__________________
(١) مريم / ١٦ ـ ٢١.
(٢) هود / ٦٩.