على أنّ حالتي التمثّل لدى نبي الله إبراهيم عليهالسلام هي نفسها حالة التمثّل التي حصلت لمريم عليهاالسلام، والتمثّل لم يكن تغيّراً في المتمثّل حقيقة، بل هو تغير في ظرف الإدراك، فلا تغيّر إذَنْ في الخارج ولا في نفس الماهية الملكية للوحي.
ومن هنا سيتبيّن عِظَم مسؤولية مريم عليهاالسلام من كونها في مصاف الأنبياء، وممن هداهم الله واجتباهم من غير النبييّن وهي مريم عليهاالسلام التي تحتلّ مقام الحجيّة لله تعالى بما يقارب حجيّة الأنبياء إلّا في خصوصيات النبوّة والرسالة.
ولم تقتصر حالة التكليم للملائكة من قبل مريم، بل تترقى إلى الوحي المباشر مع الله تعالى مع أنّ وحي الله تعالى كان قبل تمثّل جبرئيل لها.
قال تعالى حكاية عن مريم: (قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّـهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ)(١).
فالوحي الإلهي المباشر الذي حظيت به مريم عليهاالسلام يكشف عن خطورة المنزلة التي تحتلّها مريم عليهاالسلام، إذ الوحي الإلهي المباشر لا يختصّ به إلّا بعض الأنبياء وفي أوقات خاصّة، وهذا نظير ما حدث لزكريا عليهالسلام حين كلّمتْه الملائكة وبشّرتْه بيحيى.
__________________
(١) آل عمران / ٤٧.