(أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٦٩))
(أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ) بل ألم يعرفوا نسب رسولهم محمد صلىاللهعليهوسلم وأمانته وخلقه (فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) [٦٩] أي جاحدون حسدا وهو استفهام توبيخ وإنكار عليهم لإعراضهم عنه بعد معرفة إياه بصحة نسبه وصدقه وعقله واتسامه بأنه خير فتيان قريش.
(أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٠))
(أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ) أي جنون وهم يعلمون أنه بريء منها (بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ) أي القرآن والرسالة من عند الله أن لا يعبدوا إلا الله وما فيه من الشرائع للإسلام وهو يخالف أهواءهم (وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) [٧٠] أي جاحدون وأقلهم لا يكرهونه ، لأن فيهم من ترك الإيمان استنكافا من توبيخ قومه وأن يقولوا صبأ وترك دين آبائه.
(وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (٧١))
(وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ) أي الله أو القرآن (أَهْواءَهُمْ) بأن شرعت الشرائع أو نزل القرآن بمراداتهم (لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ) أي لانقلبت باطلا لا قوام لها ، لأنه لم يكن إلها يقدر أن يمسكهما من أن تزولا أو لهلكت بالشرك ولم تؤخر بمجيء الله بيوم القيامة (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ) أي بما يذكرهم ويخوفهم وهو القرآن ليؤمنوا به (فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ) أي وعظهم بالقرآن (مُعْرِضُونَ) [٧١] بترك الإيمان به.
(أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٧٢))
(أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً) أي أتدعوهم يا محمد إلى الباطل أم تسألهم جعلا يمتنعون لذلك عن الإيمان (فَخَراجُ رَبِّكَ) أي ثوابه (خَيْرٌ) أو رزقه من الحلال خير من جعلهم ، قرئ في الموضعين «خراجا» ف «خراج» و «خرجا» ف «خرج» و «خرجا» ف «خراج» (١) ، والفرق بينهما أن الخرج ما تبرعت به والخراج ما لزمك أداؤه (وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [٧٢] أي أفضل المعطين الرزق لأهله.
(وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٣))
(وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [٧٣] وهو دين الإسلام لا عوج فيه.
(وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (٧٤))
(وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) أي البعث (عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ) [٧٤] أي عادلون عن الدين المستقيم.
(وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٥))
قوله (وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ) أي من قحط وجوع ، نزل حين جاء أبو سفيان إلى النبي عليهالسلام وسأل منه أن يدعو ربه ليرفع القحط عن قريش ، فقال ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين؟ فقال : بلى ، فقال : قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع ، فدع ربك ليدفع عنهم الضر ، فأراد النبي عليهالسلام أن يدعو الله ليكشف الضر عنهم ، فقال الله تعالى لو رحمناهم وكشفنا عنهم الضر ووجدوا الخصب لارتدوا إلى ما كانوا عليه من الاستكبار وعداوة الرسول والمؤمنين (٢) ، فقوله (لَلَجُّوا) جواب (لَوْ) ، أي لتمادوا (فِي طُغْيانِهِمْ) وكفرهم (يَعْمَهُونَ) [٧٥] أي يتحيرون ويترددون.
__________________
(١) «خراجا» ، «فخراج» : قرأ الشامي باسكان الراء وحذف الألف فيهما ، والأخوان وخلف بفتح الراء وإثبات الألف فيهما ، والباقون في الأول كابن عامر ، وفي الثاني كحمزة ومن معه. البدور الزاهرة ، ٢١٩.
(٢) نقله عن الكشاف ، ٤ / ١٠٦.