يعلمون الغيب ، وقيل : نزلت الآية حين سئل النبي عليهالسلام عن الساعة (١) ، ولهذه الآية قالت عائشة رضي الله عنها : «من زعم أن محمدا يعلم ما في غد فقد أعظم على الله الفرية» (٢).
(بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ (٦٦))
قوله (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) «بل» فيه بمعنى «هل» و «أدرك» بمعنى لحق و «في» بمعنى الباء ، أي هل تكامل ولحق علمهم بحدوث الآخرة متى يكون وهو استفهام إنكار وتوبيخ ، وقرئ «إدراك» بالإدغام (٣) ، أصله تدارك ، أي بل تلاحق علمهم بحدوث الآخرة بأسباب النظر على أن القيامة كائنة لا ريب فيها ، ومكنوا من معرفته لكنهم جاهلون لا يوقنون به أو تتابع ظنونهم في علمها ، فيقولون تارة يكون وتارة لا يكون فليس منهم من اختص بشيء من علمها وهو معنى قوله (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها) أي من الساعة (٤)(عَمُونَ) [٦٦] جمع عم من عمى القلب والإضرابات تنزيل لأحوالهم من الأسوء إلى الأسوء وتكرير لجهلهم ومن شكهم وعماهم.
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ (٦٧))
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا) عطف على ضمير (كُنَّا) للفصل والعامل في (إِذا) «نخرج» المقدر فيه ، دل عليه (أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ) [٦٧] من قبورنا أحياء ، والتواكيد مبالغة في كفرهم واستهزائهم به صلىاللهعليهوسلم.
(لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٦٨))
(لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ) أي البعث الذي يعدنا (٥)(وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ) وتقديم (هذا) على (نَحْنُ) إيذان بأن اتخاذ البعث هو المقصود لأن الكلام سيق لأجله ، وتقديم (نَحْنُ) و (آباؤُنا) في موضع آخر (٦) على (هذا) إيذان بأن اتخاذ المبعوث مقصود به (إِنْ) أي ما (هذا) الذي يقول محمد (إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [٦٨] أي كذبهم المسطور بأيديهم.
(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٦٩))
(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا) أي اعتبروا (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) [٦٩] أي الكافرين ، وإنما عبر عن الكفر بلفظ الأجرام ليكون لطفا للمسلمين في ترك الجرائم وتخوف عاقبتها.
(وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (٧٠))
(وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) لأنهم لم يسلموا فلم يسلموا وهم قومه قريش (وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ) أي في حرج صدر (مِمَّا يَمْكُرُونَ) [٧٠] أي من مكرهم وكيدهم بك ، فان الله يعصمك من الناس وينصرك عليهم.
(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٧١) قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (٧٢))
(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) أي الموعود من العذاب (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [٧١] بأن العذاب واقع بنا.
(قُلْ) في جوابهم (عَسى أَنْ يَكُونَ) الشأن (رَدِفَ لَكُمْ) اللام فيه زائدة ، أي قرب منكم ولحقكم (بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ) [٧٢] من العذاب وهو يوم بدر.
(وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٧٣) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما
__________________
(١) نقله المؤلف عن البغوي ، ٤ / ٣١٥ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ٢٠٦.
(٢) انظر الكشاف ، ٤ / ٢٠٦.
(٣) «بَلِ ادَّارَكَ» : قرأ المكي والبصريان وأبو جعفر باسكان لام «بل» و «أدرك» بهمزة قطع مفتوحة وإسكان الدال ، والباقون بكسر لام «بل» و «ادراك» بهمزة وصل تسقط في الدرج وتثبت في الابتداء مكسورة وفتح الدال وتشديدها وألف بعدها. البدور الزاهرة ، ٢٣٧.
(٤) أي من الساعة ، ح : أي الساعة ، وي.
(٥) يعدنا ، ح و : تعدنا ، ي.
(٦) انظر المؤمنون (٢٣) ، ٨٣.