يعنيني (١)(أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ) «أن» مفسرة ، لأن إيتاء الحكمة في معنى القول ، أي قلنا له اشكر لله على ما أعطاك من الحكمة (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ) أي ثواب شكره (لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ) نعمة ربه (فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ) عن خلقه وعن شكره (حَمِيدٌ) [١٢] أي مستحق أن يحمد في صنعه وإن لم يحمده أحد.
(وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣))
(وَ) اذكر (إِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ) وهو لقمان بن باعور ، وقيل : «كان لقمان عبدا حبشيا لرجل من بني إسرائيل في زمان داود عليهالسلام فأعتقه» (٢)(وَهُوَ يَعِظُهُ) أي يأمر ابنه بالطاعة وينهاه عن المعصية (يا بُنَيَّ) بالتصغير والإضافة إلى ياء المتكلم بالنصب والكسر (٣) ، وكان اسم ابنه أنعم ، وكان هو وأمه كافرين فما زال لقمان يعظهما حتى أسلما (لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [١٣] لأنه لا يغفر ويغفر ما دون ذلك أو لأنه تسوية بين خالق كل نعمة وغيرها وبين العاجز عن كل شيء ، وهو ظلم لا غاية له.
(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤))
ثم قال تعالى بالاعتراض في أثناء وصية (٤) لقمان تأكيدا لما فيها من النهي لابنه عن الشرك (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ) أي وصيناه بهما كما وصى لقمان ابنه بالتوحيد والطاعة ، يعني وصيناه الإحسان لوالديه (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ) أي حال كونها تضعف ضعفا على ضعف ، يعني يتزايد ضعفها بأزدياد الحمل وثقله (وَفِصالُهُ) أي مدة فطامه (فِي عامَيْنِ) فلا يثبت حرمة الرضاع بعدهما لأن هذه المدة هي الغاية التي لا يتجاوزوا لأمر فيما دونها موكول إلى اجتهاد الأم في الفطام والرضاع ، وهو مذهب الشافعي رحمهالله ، وعند أبي حنيفة رحمهالله مدة الرضاع ثلاثون شهرا ، وهذه الجملة وقعت اعتراضا بين المفسر والمفسر تذكيرا لحق الوالدة الذي هو أعظم من حق الوالد على الإنفراد والمفسر (٥) قوله (أَنِ اشْكُرْ) فانه تفسير لقوله (وَوَصَّيْنَا) ، ويجوز أن يكون منصوبا به ، أي وصينا الإنسان أن اشكر (لِي وَلِوالِدَيْكَ) أي بشكري وشكر والديك (إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [١٤] قيل : من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله ومن دعا لوالديه في أدبار الصلوات فقد شكر والديه (٦) ، قال الرسول عليهالسلام لمن قال : «من أبر أمك ثم أمك ثم أمك» ثم قال بعد ذلك : «ثم أباك» (٧).
(وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٥) يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (١٦))
(وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) أراد بنفي العلم به نفيه ، أي لا تشرك بي ما ليس بشيء وهو الأصنام (فَلا تُطِعْهُما) في الشرك (وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا) صحابا (مَعْرُوفاً) حسنا بخلق جميل ، أي بالبر والصلة وحسن العشرة (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ) أي أقبل (إِلَيَّ) بطاعتي وهي سبيل المؤمنين في دينك ولا تتبع سبيلهما أو إن كنت مأمورا بحسن مصاحبتهما (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) أي مرجعك (٨) ومرجعهما (فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [١٥] أي فأجازيك وأجازيهما على كفرهما ، قيل : نزلت الآية في سعد بن أبي وقاص وأمه (٩) ،
__________________
(١) هذا مأخوذ عن البغوي ، ٤ / ٤٠٩ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٢١.
(٢) عن وهب بن منبه ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٢١.
(٣) إن في «يا بني» ثلاث قراءات : الأولى فتح الياء مشددة لحفص والثانية إسكان الياء مخففة لابن كثير والثالثة كسرها مشددة للباقين. البدور الزاهرة ، ٢٥١.
(٤) وصية ، و : قضية ، ح ي.
(٥) تذكيرا لحق الوالدة الذي هو أعظم من حق الوالد على الإنفراد والمفسر ، ح و : ـ ي.
(٦) عن سفيان بن عيينة ، انظر البغوي ، ٤ / ٤١٠.
(٧) رواه مسلم ، البر ، ١ ، ٢ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٥ / ١٩.
(٨) مرجعك ، وي : مرجعكم ، ح.
(٩) هذا منقول عن البغوي ، ٤ / ٤١٠ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٢٨٨.