هناك مدة نفاسها أربعين يوما بعيسى تكلم الملائكة دون الإنس ثم حملته.
(فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (٢٧))
(فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها) وكان قومها أهل بيت الصالحين وكلمها عيسى في الطريق أن يا أماه أبشري فاني عبد الله ومسيحه ، قوله (تَحْمِلُهُ) حال من (مَرْيَمُ) ، فلما رأوه معها بكوا وحزنوا (قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ) أي فعلت (شَيْئاً فَرِيًّا) [٢٧] أي عملا بديعا ومنكرا عظيما لا يعرف منك ولا من أهل بيتك.
(يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨))
قوله (يا أُخْتَ هارُونَ) توبيخ لها ، وهو أخوها من أبيها لا من أمها ، وقيل : أخو موسى النبي شبهوها به في الصلوة والصلاح ، لأنها كانت من نسله (١) ، وقيل : شتموها بتشبيهها برجل صالح في زمانها ، اسمه هرون وعيروها به (٢) ، فقالوا (ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ) أي زانيا عنوا به عمران (وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) [٢٨] أي فاجرة ، قيل : هموا برجمها (٣).
(فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (٢٩))
(فَأَشارَتْ إِلَيْهِ) أي إلى عيسى بأن كلموه ليكون كلامه حجة لها (قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ) أي وجد (فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) [٢٩] أي رضيعا ، ونصبه حال ، فأنطق الله عيسى وهو ابن أربعين يوما (٤) ، قاله وهب ، فتكلم وتركوا الرجم وكان عيسى يرضع فأقبل بوجهه عليهم.
(قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠))
(قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ) فأول كلامه رد على النصارى ، لأنه اعترف بأنه عبد الله تعالى (آتانِيَ الْكِتابَ) أي علمنيه في بطن أمي وهو التورية أو أوتي الإنجيل وهو طفل يعقل عقل الرجال (وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) [٣٠] أي أكرمني بالنبوة ، يعني إذا (٥) وضعته أمه لزم الخلق اتباعه أو كان نبيا ولم يوح إليه إلا بعد الثلاثين ، وقيل : هو إخبار بما يكون لا محالة بصيغة الماضي (٦).
(وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (٣١) وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا (٣٢))
(وَجَعَلَنِي مُبارَكاً) أي معلما الخير للخلق أو نافعا لمن آمن بي واتبعني (أَيْنَ ما كُنْتُ) أي حيث كنت (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ) أي باتمامهما (ما دُمْتُ حَيًّا [٣١] وَبَرًّا) أي وجعلني محسنا رحيما (بِوالِدَتِي) وهي إشارة إلى أنه بلا فحل (وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا) [٣٢] أي لم يخذلني بمخالفته ، قيل : الشقي من يذنب ولا يتوب (٧).
(وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (٣٣))
(وَالسَّلامُ) اللام فيه للجنس ، أي جنس السّلام (عَلَيَّ) خاصة فهو تعريض باللعنة على من اتهم والدته مريم (يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) [٣٣] يعني السلامة من الله وجهت إلي كما وجهت إلى يحيى في هذه الأحوال الثلاث العظام ، فلما كلمهم عيسى بهذا الكلام أيقنوا براءة أمه ولم يتكلم بعد حتى بلغ سن الكلام.
(ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (٣٤) ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا
__________________
(١) اختصره المصنف من البغوي ، ٣ / ٦١٧.
(٢) لعله اختصره من الكشاف ، ٤ / ٧.
(٣) قد أخذه المؤلف عن الكشاف ، ٤ / ٧.
(٤) انظر البغوي ، ٣ / ٦١٨.
(٥) إذا ، ح : إذ ، وي.
(٦) لعله اختصره من البغوي ، ٣ / ٦١٨ ؛ والكشاف ، ٤ / ٨.
(٧) قد نقله المفسر عن البغوي ، ٣ / ٦١٨.