فكان أول من أبصر ما فيها وعرف أنها ريح فيما يذكرون امرأة من عاد يقال لها «مهد» ، فلما تبينت ما فيها صاحت ثم صعقت. فلما أفاقت قالوا ما رأيت يا مهد؟ قالت رأيت ريحا فيها شبه النار أمامها رجال يقودونها. فسخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما ، والحسوم الدائمة ؛ فلم تدع من عاد أحدا إلا هلك.
قال : واعتزل هود عليهالسلام ـ فيما ذكر لي ـ في حظيرة هو ومن معه من المؤمنين ، ما يصيبهم إلا ما تلين عليه الجلود ، وتلذ (١) الأنفس ، وإنها لتمر على عاد بالظعن فيما بين السماء والأرض ، وتدمغهم بالحجارة وذكر تمام القصة.
وقد روى الإمام أحمد حديثا في مسنده (٢) يشبه هذه القصة فقال : حدثنا زيد بن الخباب ، حدثني أبو المنذور سلام بن سليمان النحوي ، حدثنا عاصم بن أبي النجود ، عن أبي وائل ، عن الحارث ـ وهو ابن حسان ـ ويقال ابن يزيد البكري ، قال : خرجت أشكو العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فمررت بالربذة ، فإذا عجوز من بني تميم منقطع بها ، فقالت لي :
يا عبد الله إن لي إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم حاجة ، فهل أنت مبلغي إليه؟
قال : فحملتها فأتيت المدينة فإذا المسجد غاص بأهله ، وإذا راية سوداء تخفق ، وإذا بلال متقلد السيف بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقلت : ما شأن الناس؟ قالوا : يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجها؟
قال : فجلست ، قال فدخل منزله ـ أو قال رحله ـ فاستأذنت عليه فأذن لي ، فدخلت فسلمت فقال : «هل كان بينكم وبين بني تميم شيء»؟ فقلت : نعم. وكانت لنا الدائرة عليهم ، ومررت بعجوز من بني تميم منقطع بها ، فسألتني أن أحملها إليك وها هي بالباب ، فأذن لها فدخلت ، فقلت يا رسول الله : إن رأيت أن تجعل بيننا وبين بني تميم حاجزا ، فاجعل الدهناء فإنها كانت لنا ، قال : فحميت العجوز واستوفزت وقالت يا رسول الله فإلى أين يضطر مضطرك؟
قال : فقلت : إن مثلي ما قال الأول : معزى حملت حتفها ، حملت هذه الأمة ولا أشعر أنها كانت
__________________
(١) : ويلبد.
(٢) الحديث في المسند (٣ / ٤٨٢ / حلبي) وفيه.
(أ) سلام بن سليمان المزني ، أبو المنذر القارىء النحوي ، البصري ، نزيل الكوفة ، صدوق يهم ، قرأ على عاصم ، من السابعة ، مات سنة إحدى وسبعين ـ ت س. تقريب التهذيب (١ / ٣٤٢ / ٦١٤).
(ب) عاصم بن بهدلة ، وهو ابن أبي النجود : بنون وجيم الأسدي مولاهم ، الكوفي ، أبو بكر المقري ، صدوق ، له أوهام ، حجة في القراءة ، وحديثه في الصحيحين مقرون ، من السادسة ، مات سنة ثمان وعشرين. / ع. تقريب التهذيب (١ / ٣٨٣ / ٣).
وروى الترمذي نحوه (٤٨ / ٥٢ / ٣٢٧٣ ، ٣٢٧٤). من نفس الطريق السابعة وقال الترمذي : وقد روى غير واحد هذا الحديث عن سلام بن أبي المنذر عن عاصم بن أبي النجود ، وعن أبي وائل عن الحارث بن حسان ويقال له الحارث بن يزيد.
(٣) و : بالحدیث فیه