لي خصما ، أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد ، قال : هيه وما وافد عاد؟ وهو أعلم بالحديث مني (١) ولكن يستطعمه.
قلت : إن عادا قحطوا فبعثوا وافدا لهم يقال له قيل ، فمر بمعاوية بن بكر فأقام عنده شهرا يسقيه الخمر وتغنيه جاريتان يقال لهما الجرادتان ، فلما مضى الشهر خرج إلى جبال تهامة (١) ـ ، فقال : اللهم إنك تعلم أني لم أجيء إلى مريض فأداويه ، ولا إلى أسير فأفاديه ، اللهم اسق عادا ما كنت تسقيه. فمرت به سحابات سود فنودي منها : اختر فأومأ إلى سحابة منها سوداء فنودي منها :
خذها رمادا رمددا ، لا تبقى من عاد أحدا. قال : فما بلغني أنه بعث عليهم من الريح إلا كقدر ما يجري في خاتمي هذا من الريح حتى هلكوا.
قال أبو وائل : وصدق ، وكانت المرأة والرجل إذا بعثوا وافدا (٢) لهم قالوا : لا تكن كوافد عاد.
وهكذا رواه الترمذي عن عبد بن حميد ، عن زيد بن الحباب به. ورواه النسائي من حديث سلام أبي المنذر عن عاصم بن بهدلة ، ومن طريقه رواه ابن ماجه. وهكذا أورد هذا الحديث وهذه القصة عند تفسير هذه القصة غير واحد من المفسرين كابن جرير وغيره.
وقد يكون هذا السياق لإهلاك عاد الآخرة ؛ فإن فيما ذكره ابن إسحاق وغيره ذكر لمكة ، ولم تبن إلا بعد إبراهيم الخليل ، حين أسكن فيها هاجر وابنه إسماعيل ، فنزلت جرهم عندهم كما سيأتي ، وعاد الأولى قبل الخليل ، وفيه ذكر معاوية بن بكر وشعره ، وهو من الشعر المتأخر عن زمان عاد الأولى ، ولا يشبه كلام المتقدمين. وفيه أن في تلك السحابة شرر نار ، وعاد الأولى إنما أهلكوا بريح صرصر. وقد قال ابن مسعود وابن عباس وغير واحد من أئمة التابعين : هي الباردة والعاتية الشديدة الهبوب.
(سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً) أي كوامل متتابعات. قيل كان أولها الجمعة ، وقيل الأربعاء.
(فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) شبههم بأعجاز النخل التي لا رؤوس لها ، وذلك لأن الريح كانت تجيء إلى أحدهم فتحمله فترفعه في الهواء ؛ ثم تنكسه على أم رأسه فتشدخه فيبقى جثة بلا رأس ، كما قال : (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ) أي في يوم نحس عليهم ، مستمر عذابه عليهم.
(تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) ومن قال إن اليوم النحس المستمر يوم الأربعاء وتشاءم به لهذا الفهم ، فقد أخطأ وخالف القرآن ؛ فإنه قال في الآية الأخرى : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ
__________________
(١) و : حيال مهرة.
(٢) م : وفدا.