رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ) ومعلوم أنها ثمانية أيام متتابعات ، فلو كانت نحسات في أنفسها لكانت جميع الأيام السبعة المندرجة فيها (١) مشؤومة ، وهذا لا يقوله أحد ، وإنما المراد في أيام نحسات ، أي عليهم.
وقال تعالى : (وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) أي التي لا تنتج خيرا ، فإن الريح المفردة لا تثير سحابا ولا تلقح شجرا ، بل هي عقيم لا نتيجة خير لها ، ولهذا قال : (ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) هي كالشيء البالي الفاني الذي لا ينتفع به بالكلية.
وقد ثبت في الصحيحين من حديث شعبة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «نصرت بالصبا ، وأهلكت عاد بالدبور» (٢).
وأما قوله تعالى : (وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ ، إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) فالظاهر أن عادا هذه هي عاد الأولى ؛ فإن سياقها شبيه بسياق قوم هود وهم الأولى. ويحتمل أن يكون المذكورون في هذه القصة هم عاد الثانية. ويدل عليه ما ذكرنا وما سيأتي من الحديث عن عائشة رضي الله عنها.
وأما قوله : (فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) فإن عادا لما رأوا هذا العارض وهو الناشيء في الجو كالسحاب ظنوه سحاب مطر ، فإذا هو سحاب عذاب. اعتقدوه رحمة فإذا هو نقمة ، رجوا فيه الخير فنالوا منه غاية الشر. قال الله تعالى : (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ) أي من العذاب ، ثم فسروه بقوله : (رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ) يحتمل أن ذلك العذاب هو ما أصابهم من الريح الصرصر العاتية الباردة الشديدة الهبوب ، التي استمرت عليهم سبع ليال بأيامها الثمانية فلم تبق منهم أحدا ، بل تتبعتهم حتى كانت تدخل عليهم كهوف الجبال والغيران فتلفهم وتخرجهم وتهلكهم ، وتدمر عليهم البيوت المحكمة والقصور المشيدة ، فكما منّوا بشدتهم وبقوتهم (٣) وقالوا : من أشد منا قوة؟! سلط الله عليهم ما هو أشد منهم قوة ، وأقدر عليهم ، وهو الريح العقيم.
ويحتمل أن هذه الريح أثارت في آخر الأمر سحابة ، ظن من بقي منهم أنها سحابة فيها رحمة بهم وغياث لمن بقي منهم ، فأرسلها الله عليهم شررا ونارا. كما ذكره غير واحد. ويكون هذا ، كما أصاب أصحاب الظلة من أهل مدين ، وجمع لهم بين الريح الباردة وعذاب النار ، وهو أشد ما
__________________
(١) و : المندرجة في الثمانية.
(٢) الحديث رواه البخاري (١٥ / ٢٦ / ١٠٣٥ / فتح). (٥٩ / ٥ / ٣٢٠٥ / فتح) ، (٦٠ / ٦ / ٣٣٤٣ / فتح) ـ رواه مسلم (٩ / ٤ / ١٧). ورواه أحمد في مسنده (١ / ٢٣ ، ٢٢٨٢ ، ٣٢٤ ، ٣٤١ ، ٣٥٥ ، ٣٧٣). اللغة :
بالصبا : يقال لها القبول بفتح القاف لأنها تقابل باب الكعبة إذ مهبها من مشرق الشمس ، وضدها الدبور وهي التي أهلكت بها قوم عاد. (قاله بن حجر) أه.
(٣) و : بقوتهم.