وقد قدمنا أنهم كانوا عربا ، وكانوا بعد عاد ولم يعتبروا بما كان من أمرهم ، ولهذا قال لهم نبيهم عليهالسلام : (اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ، هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً ، فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ* وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ ، وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً ، فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) أي إنما جعلكم خلفاء من بعدهم لتعتبروا بما كان من أمرهم ، وتعملوا بخلاف عملهم. وأباح لكم هذه الأرض تبنون في سهولها القصور ، (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ) أي حاذقين في صنعتها وإتقانها وإحكامها. فقابلوا نعمة الله بالشكر والعمل الصالح ، والعبادة له وحده لا شريك له ، وإياكم ومخالفته والعدول عن طاعته ، فإن عاقبة ذلك وخيمة.
ولهذا وعظهم بقوله : (أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ* فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ) أي متراكم كثير حسن بهي ناضج (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ* فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ* وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ* الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ).
وقال لهم أيضا : (يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ ، هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ، وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها) أي هو الذي خلقكم فأنشأكم في الأرض ، وجعلكم عمّارها ، أي أعطاكموها بما فيها من الزروع والثمار ، فهو الخالق الرزاق ، وهو الذي يستحق العبادة وحده لا ما سواه.
(فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) أي أقلعوا عما أنتم فيه وأقبلوا على عبادته ، فإنه يقبل منكم ويتجاوز عنكم (إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ).
(قالُوا : يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا) أي قد كنا نرجو أن يكون عقلك كاملا قبل هذه المقالة ، وهي دعاؤك إيانا إلى إفراد العبادة ، وترك ما كنا نعبده من الأنداد ، والعدول عن دين الآباء والأجداد ولهذا قالوا : اتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا؟ وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب».
(قالَ : يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً ، فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ).
وهذا تلطف منه لهم في العبارة ولين الجانب ، وحسن تأتّى في الدعوة لهم إلى الخير ، أي فما ظنكم إن كان الأمر كما أقول لكم وأدعوكم إليه؟ ماذا عذركم عند الله؟ وماذا يخلصكم بين يديه وأنتم تطلبون مني أن أترك دعاءكم إلى طاعته؟ وأنا لا يمكنني هذا لأنه واجب علي ، ولو تركته لما قدر أحد منكم ولا من غيركم أن يجيرني منه ولا ينصرني. فأنا لا أزال أدعوكم إلى الله وحده لا شريك له ، حتى يحكم الله بيني وبينكم.
وقالوا له أيضا : (إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) أي من المسحورين ، يعنون مسحورا لا تدري ما تقول في دعائك إيانا إلى إفراد العبادة لله وحده ، وخلع ما سواه من الأنداد. وهذا القول عليه