الجمهور ، وهو أن المراد بالمسحرين المسحورين. وقيل من المسحرين : أي ممن له سحر ـ وهو الرئي ـ كأنهم يقولون إنما أنت بشر له سحر ، والأول أظهر لقولهم بعد هذا : (ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) وقولهم : (فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) سألوا منه أن يأتيهم بخارق يدل على صدق ما جاءهم به. (قالَ : هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ ، وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ* وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ). كما قال : (قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ، هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) وقال تعالى : (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها).
وقد ذكر المفسرون أن ثمود اجتمعوا يوما في ناديهم ، فجاءهم رسول الله صالح فدعاهم إلى الله ، وذكرهم وحذرهم ووعظهم وأمرهم ، فقالوا له : إن أنت أخرجت لنا من هذه الصخرة ـ وأشاروا إلى صخرة هناك ـ ناقة ، من صفتها كيت وكيت وذكروا أوصافا سموها ونعتوها وتعنتوا فيها. وأن تكون عشراء طويلة ، من صفتها كذا وكذا فقال لهم النبي صالح عليهالسلام : أرأيتم إن أجبتكم إلى ما سألتم على الوجه الذي طلبتم ، أتؤمنون بما جئتكم به وتصدقوني فيما أرسلت به؟ قالوا : نعم فأخذ عهودهم ومواثيقهم على ذلك.
ثم قام إلى مصلاه فصلى لله عزوجل ما قدر له ، ثم دعا ربه عزوجل أن يجيبهم إلى ما طلبوا. فأمر الله عزوجل تلك الصخرة أن تنفطر عن ناقة عظيمة عشراء ، على الوجه المطلوب الذي طلبوا ، أو على الصفة التي نعتوا.
فلما عاينوها كذلك رأوا أمرا عظيما ومنظرا هائلا ، وقدرة باهرة ، ودليلا قاطعا ، وبرهانا ساطعا ، فآمن كثير منهم ، واستمر أكثرهم على كفرهم وضلالهم وعنادهم. ولهذا قال : (فَظَلَمُوا بِها) أي جحدوا بها ولم يتبعوا الحق بسببها ، أي أكثرهم. وكان رئيس الذين آمنوا : جندع بن عمرو بن محلاة بن لبيد بن جواس وكان من رؤسائهم وهم بقية الأشراف بالإسلام فصدهم ذؤاب إبن عمرو بن لبيد والحباب صاحب أوثانهم ، ورباب بن صعر بن جلمس. ودعا جندع ابن عمه شهاب بن خليفة وكان من أشرافهم ، فهم بالإسلام فنهاه أولئك ، فمال إليهم فقال في ذلك رجل من المسلمين يقال له مهرش بن غنمة بن الذميل رحمهالله :
وكانت عصبة من آل عمرو |
|
إلى دين النبي دعوا شهابا |
عزيز ثمود كلهم جميعا |
|
فهم بأن يجيب ولو أجابا |
لأصبح صالح فينا عزيزا |
|
وما عدلوا بصاحبهم ذؤابا |
ولكن الغواة من آل حجر |
|
تولوا بعد رشدهم ذبابا |
ولهذا قال لهم صالح عليهالسلام : (هذِهِ ناقَةُ اللهِ) أضافها لله سبحانه وتعالى إضافة تشريف وتعظيم ، كقوله بيت الله وعبد الله (لَكُمْ آيَةً) أي دليل على صدق ما جئتكم به (فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ).