فأما ما روي عن ابن عباس أنه كان وعلا؟ وعن الحسن أنه كان تيسا من الأروى واسمه جرير ، فلا يكاد يصح عنهما.
ثم غالب ما هاهنا من الآثار مأخوذ من الإسرائيليات. وفي القرآن كفاية عما جرى من الأمر العظيم والاختبار الباهر ، وأنه فدي بذبح عظيم ، وقد ورد في الحديث أنه كان كبشا.
قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، حدثنا منصور ، عن خاله مسافح ، عن صفية بنت شيبة قالت : أخبرتني امرأة من بني سليم ولدت عليه أهل دارنا قالت : أرسل رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى عثمان بن طلحة ، وقالت مرة : إنها سألت عثمان : لم دعاك رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ قال : قال لي رسول الله : «إني كنت رأيت قرني الكبش حين دخلت البيت ، فنسيت أن آمرك أن تخمرهما فخمرهما فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلي» (١).
قال سفيان : لم يزل قرنا الكبش معلقين في البيت حتى احترق البيت فاحترقا.
وكذا روي عن ابن عباس أن رأس الكبش لم يزل معلقا عند ميزاب الكعبة قد يبس.
وهذا وحده دليل على أن الذبيح إسماعيل ، لأنه كان هو المقيم بمكة وإسحق لا نعلم إن قدمها في حال صغره والله أعلم.
وهذا هو الظاهر من القرآن ، بل كأنه نص على أن الذبيح هو إسماعيل ، لأنه ذكر قصة الذبيح ، ثم قال بعده : (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) : ومن جعله حالا فقد تكلف ، ومستنده أنه إسحاق إنما هو إسرائيليات. وكتابهم فيه تحريف ، ولا سيما هاهنا قطعا لا محيد عنه ، فإن عندهم أن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه وحيده وفي نسخة من المعربة بكره إسحاق ، فلفظة إسحاق هاهنا مقحمة مكذوبة مفتراة ، لأنه ليس هو الوحيد ولا البكر إنما ذاك إسماعيل.
وإنما حملهم على هذا حسد العرب ، فإن إسماعيل أبو العرب الذين يسكنون الحجاز الذين منهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وإسحاق والد يعقوب ـ وهو إسرائيل ـ الذي ينتسبون إليه ، فأرادوا أن يجروا هذا الشرف إليهم ، فحرفوا كلام الله وزادوا فيه وهم قوم بهت ولم يقروا بأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء.
وقد قال بأنه إسحاق طائفة كثيرة من السلف وغيرهم ، وإنما أخذوه ـ والله أعلم ـ من كعب
__________________
(١) الحديث رواه أحمد في مسنده (٤ / ٦٨ / حلبي) ، (٥ / ٣٨٠ / حلبي) وما بين القوسين الصواب وكانت في الأصل المخطوط والمطبوع «نافع» وهو تحريف. والحديث فيه :
(أ) صفية بنت شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدرية لها رؤية وحدثت عن عائشة وغيرها من الصحابة وفي البخاري التصريح بسماعها عن النبي صلىاللهعليهوسلم وأنكر الدارقطني إدراكها / ع.
تقريب التهذيب (٢ / ٦٠٣).
(ب) منصور بن عبد الرحمن بن طلحة بن الحارث العبدري الحجي المكي ـ وهو ابن صفية بنت شيبة ، ثقة من الخامسة ، أخطأ ابن خزم في تضعيفه مات سنة سبع أو ثمان وثلاثين أخ م د س ق.
تقريب التهذيب (٢ / ٢٧٦).