يتضارطون في مجالسهم ، ولا يستحيون من مجاليسهم ، وربما وقعت (١) الفعلة العظيمة في المحافل ولا يستنكفون ، ولا يرعوون لوعظ واعظ ولا نصيحة من عاقل. وكانوا في ذلك وغيره كالأنعام بل أضل سبيلا ، ولم يقلعوا عما كانوا عليه في الحاضر ، ولا ندموا على ما سلف من الماضي ، ولا راموا في المستقبل تحويلا ، فأخذهم الله أخذا وبيلا.
وقالوا له فيما قالوا : (ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) فطلبوا منه وقوع ما حذرهم منه من العذاب الأليم ، وحلول البأس العظيم.
فعند ذلك دعا عليهم نبيهم الكريم ، فسأل من رب العالمين وإله المرسلين أن ينصره على القوم المفسدين.
فغار الله لغيرته ، وغضب لغضبته ؛ واستجاب لدعوته ، وأجابه إلى طلبته وبعث رسله الكرام ، وملائكته العظام ، فمروا على الخليل إبراهيم وبشروه بالغلام العليم ، أخبروه بما جاءوا له من الأمر الجسيم والخطب العميم : (قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ* قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ* لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ* مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ) وقال : (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ* قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً ، قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ). وقال الله تعالى : (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ). وذلك أنه كان يرجو أن [يجيبوا أو](٢) ينيبوا ويسلموا ويقلعوا ويرجعوا ، ولهذا قال تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ* يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ، وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) أي أعرض عن هذا وتكلم غيره ؛ فإنه قد حتم أمرهم ، ووجب عذابهم وتدميرهم وهلاكهم ، (إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ) أي قد أمر به من لا يرد أمره ، ولا يرد بأسه ، ولا معقب لحكمه. (وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ).
وذكر سعيد بن جبير والسدي وقتادة ومحمد بن إسحاق : أن إبراهيم عليهالسلام جعل يقول : أتهلكون قرية فيها ثلاثمائة مؤمن. قالوا لا؟ قال : فمائتا مؤمن؟ قالوا : لا. قال :
فأربعون مؤمنا؟ قالوا : لا. قال : فأربعة عشر مؤمنا؟ قالوا : لا. قال ابن إسحاق : إلى أن قال : أفرأيتم إن كان فيها مؤمن واحد؟ قالوا : لا. (قالَ : إِنَّ فِيها لُوطاً ، قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها) «الآية.
وعند أهل الكتاب أنه قال : يا رب أتهلكهم وفيهم خمسون رجلا صالحا؟ فقال الله : «لا أهلكهم وفيهم خمسون صالحا» ثم تنازل إلى عشرة فقال الله : لا أهلكهم وفيهم عشرة صالحون».
قال الله تعالى : (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ
__________________
(١) و : وقد أوقع.
(٢) من و.