عَصِيبٌ.) قال المفسرون : لما فصلت الملائكة من عند إبراهيم ـ وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل ـ أقبلوا حتى أتوا أرض سدوم ، في صور شبان حسان ، اختبارا من الله تعالى لقوم لوط وإقامة للحجة عليهم. فاستضافوا لوطا عليهالسلام وذلك عند غروب الشمس ، فخشى إن لم يضيفهم أن يضيفهم غيره وحسبهم بشرا من الناس ، و (سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً ، وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ) قال ابن عباس ومجاهد وقتادة ومحمد بن إسحاق : شديد بلاؤه. وذلك لما يعلم من مدافعته الليلة عنهم ، كما كان يصنع بهم في غيرهم ، وكانوا قد اشترطوا عليه ألا يضيف أحدا ، ولكن رأى من لا يمكن المحيد عنه.
وذكر قتادة : أنهم وردوا عليه وهو في أرض له يعمل فيها ، فتضيفوا فاستحيا منهم وانطلق أمامهم ، وجعل يعرض لهم في الكلام لعلهم ينصرفون عن هذه القرية وينزلون في غيرها ، فقال لهم فيما قال : [والله](١) يا هؤلاء ما أعلم على وجه الأرض أهل بلد أخبث من هؤلاء. ثم مشى قليلا ، ثم أعاد ذلك عليهم حتى كرره أربع مرات ، قال : وكانوا قد أمروا ألا يهلكوهم حتى يشهد عليهم نبيهم بذلك.
وقال السدي : خرجت الملائكة من عند إبراهيم نحو قرية لوط ، فأتوها نصف النهار ، فلما بلغوا نهر سدوم لقوا ابنة لوط تستقي من الماء لأهلها ، وكانت له ابنتان : اسم الكبرى «ريثا» والصغرى «زغرتا». فقالوا لها : يا جارية ، هل من منزل؟ فقالت لهم : نعم مكانكم لا تدخلوا حتى آتيكم. شفقة (٢) عليهم من قومها ، فأتت أباها فقالت : يا أبتاه! أرادك فتيان على باب المدينة ، ما رأيت وجوه قوم قط هي أحسن منهم ، لا يأخذهم قومك فيفضحوهم. وقد كان قومه (٣) نهوه أن يضيف رجلا فقالوا : خل عنا فلنضف الرجال. فجاء بهم لم يعلم أحد إلا أهل البيت ، فخرجت امرأته فأخبرت قومها ؛ فقالت : إن في بيت لوط رجالا ما رأيت مثل وجوههم قط. فجاءه قومه يهرعون إليه.
وقوله : (وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) أي هذا مع ما سلف لهم من الذنوب العظيمة الكبيرة الكثيرة ، (قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) يرشدهم إلى غشيان نسائهم وهن بناته شرعا ؛ لأن النبي للأمة بمنزلة الوالد ، كما ورد في الحديث ، وكما قال تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) وفي قول بعض الصحابة والسلف : وهو أب لهم. وهذا كقوله تعالى :
(أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ* وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ)
[٢٦ / الشعراء : ١٦٥ ـ ١٦٦]
__________________
(١) من و.
(٢) م : فرقت عليهم من قومها.
(٣) و : وقد كانوا نهوه.