وهذا هو الذي نص عليه مجاهد وسعيد بن جبير والربيع بن أنس قتادة والسدي ومحمد ابن إسحاق ، وهو الصواب.
والقول الآخر خطأ مأخوذ من أهل الكتاب ، وقد تصحف عليهم كما أخطأوا في قولهم : إن الملائكة كانوا اثنين ، وإنهم تعشوا عنده. وقد خبط أهل الكتاب في هذه القصة تخبيطا عظيما.
وقوله : (فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ، أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ؟) نهى لهم عن تعاطي ما لا يليق من الفاحشة ، وشهادة عليهم بأنه ليس فيهم رجل له مسكة ولا فيه خير ، بل الجميع سفهاء ، فجرة أقوياء ، كفرة أغبياء (١).
وكان هذا من جملة ما أراد الملائكة أن يسمعوه منه من قبل أن يسألوه عنه.
فقال قومه ، عليهم لعنة الله الحميد المجيد ، مجيبين لنبيهم فيما أمرهم به من الأمر السديد :
(لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ). يقولون عليهم لعائن الله ـ لقد علمت يا لوط أنه لا أرب لنا في نسائنا ، وإنك لتعلم مرادنا وغرضنا.
واجهوا بهذا الكلام القبيح رسولهم الكريم ، ولم يخافوا سطوة العظيم ، ذي العذاب الأليم.
ولهذا قال عليهالسلام : (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ). ود أن لو كان له بهم قوة ، أو له منعة وعشيرة ينصرونه عليهم ، ليحل بهم ما يستحقونه من العذاب على هذا الخطاب.
وقد قال الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا : «نحن أحق بالشك من إبراهيم ، ويرحم الله لوطا ، لقد كان يأوي إلى ركن شديد ، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي» (٢).
ورواه أبو الزناد (٣) عن الأعرج عن أبي هريرة.
وقال محمد بن عمرو بن عقلمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «رحمة الله على لوط ، إن كان يأوي (٤) إلى ركن شديد ـ يعني الله عزوجل ـ فما بعث الله بعده من نبي إلا في ثروة من قومه».
وقال تعالى : (وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ* قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ* وَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ* قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ* قالَ هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ.) فأمرهم
__________________
(١) وكفرة أعتياء.
(٢) الحديث رواه البخاري في صحيحه (٦٠ / ١١ / ٣٣٧٢). ورواه ابن ماجه بنحوه (٣٦ / ٢٣ / ٤٠٢٦) ورواه أحمد في مسنده (٢ / ٣٢٦ / ٣٣٢ ، ٣٥٠ / حلبي).
(٣) و : ورواه ابن أبي الدنيا.
(٤) و : لقد كان يأوي.