فنهاهم أولا عن تعاطي ما لا يليق من التطفيف ، وحذرهم سلب نعمة الله عليهم في دنياهم ، وعذابه الأليم في أخراهم ، وعنفهم أشد تعنيف.
ثم قال لهم آمرا بعد ما كان عن ضده زاجرا : (وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ* بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ* وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ.)
قال ابن عباس والحسن البصري : (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ) أي رزق الله خير لكم من أخذ أموال الناس. وقال ابن جرير : ما يفضل (١) لكم من الربح بعد وفاء الكيل والميزان ، خير لكم من أخذ أموال الناس بالتطفيف. قال : وقد روي هذا عن ابن عباس.
وهذا الذي قاله وحكاه حسن ، وهو شبيه بقوله تعالى : (قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) يعني أن القليل من الحلال خير لكم من الكثير من الحرام ، فإن الحلال مبارك وإن قل ، والحرام ممحوق وإن كثر. كما قال تعالى : (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ.)
[٢ / البقرة : ٢٧٦]
وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الربا وإن كثر فإن مصيره (٢) إلى قل».
رواه أحمد. أي إلى قلة.
وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما ، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما» (٣).
والمقصود أن الربح حلال مبارك فيه وإن قل ، والحرام لا يجدي وإن كثر ، ولهذا قال نبي الله شعيب : (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
وقوله : (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) أي أفعلوا ما آمركم به ابتغاء وجه الله ورجاء ثوابه ، لا لأراكم أنا وغيري.
__________________
(١) م : ما فضل.
(٢) الحديث رواه أحمد في مسنده (٣٧٥٤ / شاكر) وابن ماجة في سننه رقم (٢٢٧٩ / حلبي) والحاكم في المستدرك (٢ / ٣٧) ، (٤ / ٣١٧ / ٣١٨) وصححه ووافقه الذهبي.
غريب اللغة :
القل : بضم القاف وتشديد اللام : القلة. كالذل والذلة.
(٣) الحديث رواه البخاري في صحيحه (٣٤ / ١٩ ، ٤٢ ـ ٤٧). رواه مسلم (٢١ / ٤٣ ـ ٤٧). ورواه أبو داود (٢٢ / ٥١). والترمذي (١٢ / ٢٣). ورواه النسائي (٤٤ / ٤ ، ٨ ـ ١٠). ورواه ابن ماجة (١٢ / ١٧). ورواه الدارمي في سننه (١٨ / ١٥). ورواه مالك في الموطأ (٣١ / ٧٩). ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده (٩٢٢ ، ١٣١٦ ، ١٨٦٠ ، ١٨٨٢ ، ٥٦٨). ورواه أحمد في مسنده (٣ / ٤٠٢ ، ٤٠٣ ، ٤٣٤). ز