(وَما تَوْفِيقِي) أي في جميع أحوالي (إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) أي عليه أتوكل في سائر الأمور ، وإليه مرجعي ومصيري في كل أمري. وهذا مقام ترغيب.
ثم انتقل إلى نوع من الترهيب فقال : (وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ ، وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ).
أي لا يحملنكم مخالفتي وبغضكم ما جئتكم به على الاستمرار على ضلالكم وجهلكم ومخالفتكم ؛ فيحل الله بكم من العذاب والنكال ، نظير ما أحله بنظرائكم وأشباهكم ، من قوم نوح وقوم هود وقوم صالح من المكذبين المخالفين.
وقوله : (وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) ، قيل معناه : في الزمان ، أي ما بالعهد من قديم ، مما قد بلغكم ما أحل بهم على كفرهم وعتوهم. وقيل معناه : وما هم منكم ببعيد في المحلة والمكان. وقيل في الصفات والأفعال المستقبحات ، من قطع الطريق ، وأخذ أموال الناس جهرة وخفية بأنواع الحيل والشبهات.
والجمع بين هذه الأقوال ممكن : فإنهم لم يكونوا (١) بعيدين منهم لا زمانا ولا مكانا ولا صفات.
ثم مزج الترهيب بالترغيب فقال : (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) أي أقلعوا عما أنتم فيه ، وتوبوا إلى ربكم الرحيم الودود ؛ فإنه من تاب إليه ، تاب عليه ، فإنه رحيم بعباده ، أرحم بهم من الوالدة بولدها ، (وَدُودٌ) وهو الحبيب ولو بعد التوبة على عبده ، ولو من الموبقات العظام.
(قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً).
روي عن ابن عباس وسعيد بن جبير والثوري أنهم قالوا : كان ضرير البصر. وقد روى في حديث مرفوع : أنه بكى من حب الله حتى عمي ، فرد الله عليه بصره ؛ وقال : «يا شعيب أتبكي خوفا (٢) من النار؟ أو من شوقك إلى الجنة فقال : بل من محبتك (٣) ، فإذا نظرت إليك فلا أبالي ماذا يصنع بي. فأوحى الله إليه : هنيئا لك يا شعيب لقائي ، فلذلك أخدمتك موسى بن عمران كليمي».
رواه الواحدي عن أبي الفتح محمد بن علي الكوفي ، عن علي بن الحسن بن بندار ، عن عبد الله محمد بن إسحاق الرملي عن هشام بن عمار ، عن إسماعيل بن عباس ، عن يحيى بن سعيد ، عن شداد بن أوس (٤) عن النبي صلىاللهعليهوسلم بنحوه.
__________________
(١) و : فإنهم غير بعيدين.
(٢) و : من خوفك من النار.
(٣) و : فقال لمحبتك.
(٤) م : ابن أمية. وهو تحريف.