وأما في سورة الشعراء فذكر أنه أخذهم عذاب يوم الظلة ، وكان ذلك إجابة لما طلبوا ، وتقريبا إلى ما إليه رغبوا ، فإنهم قالوا : (إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ* وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ* فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ* قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ).
قال الله تعالى وهو السميع العليم : (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ).
ومن زعم من المفسرين كقتادة وغيره : أن أصحاب الأيكة أمة أخرى غير أهل مدين فقوله ضعيف.
وإنما عمدتهم شيئان : أحدهما أنه قال : (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ) ولم يقل أخوهم كما قال : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً).
والثاني : أنه ذكر عذابهم بيوم الظلة ، وذكر في أولئك الرجفة أو الصيحة.
والجواب عن الأول أنه لم يذكر الأخوة بعد قوله : (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ) لأنه وصفهم بعبادة الأيكة ، فلا يناسب ذكر الأخوة هاهنا ولما نسبهم إلى القبيلة ساغ ذكر شعيب بأنه أخوهم.
وهذا الفرق من النفائس اللطيفة العزيزة الشريفة.
وأما احتجاجهم بيوم الظلة ؛ فإن كان دليلا بمجرده على أن هؤلاء أمة أخرى ، فليكن تعداد الانتقام بالرجفة والصيحة دليلا على أنهما أمتان أخريان ، وهذا لا يقوله أحد يفهم شيئا من هذا الشأن.
فأما الحديث الذي أورده الحافظ ابن عساكر في ترجمة النبي شعيب عليهالسلام ، من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، عن أبيه ، عن معاوية بن هشام ، عن هشام بن سعد ، عن شقيق ابن أبي هلال ، عن ربيعة بن سيف عن عبد الله بن عمرو مرفوعا : «إن قوم مدين وأصحاب الأيكة أمتان بعث الله إليهما شعيبا النبي عليهالسلام».
فإنه حديث غريب. وفي رجاله من تكلم فيه. والأشبه أنه من كلام عبد الله بن عمرو ، مما أصابه يوم اليرموك من تلك الزاملتين من أخبار بني إسرائيل والله أعلم.
ثم قد ذكر الله عن أهل الأيكة من المذمة ما ذكره عن أهل مدين من التطفيف في المكيال والميزان ، فدل على أنهم أمة واحدة ، أهلكوا بأنواع من العذاب. وذكر في كل موضع ما يناسب من الخطاب.
وقوله : (فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) ذكروا أنهم أصابهم حر