طلبوا بزعمهم أن يردوا من آمن منهم الى ملتهم ، فانتصب شعيب للمحاجة عن قومه فقال : (أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ؟) أي هؤلاء لا يعودون إليكم اختيارا ، وإنما يعودون اليكم إن عادوا ، اضطرارا مكرهين ؛ وذلك لأن الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب لا يسخطه أحد ، ولا يرتد أحد عنه ، ولا محيد لأحد منه.
(قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها ، وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا ، وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً ، عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا) أي فهو كافينا ، وهو العاصم لنا وإليه ملجأنا في جميع أمرنا.
ثم استفتح على قومه ، واستنصر ربه عليهم في تعجيل ما يستحقونه إليهم فقال : (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ) أي الحاكمين. فدعا عليهم ، والله لا يرد دعاء رسله إذا استنصروه على الذين جحدوه وكفروه ، ورسوله خالفوه.
ومع هذا صمموا على ما هم عليه مشتملون ، وبه متلبسون : (وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ).
قال الله تعالى : (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) ذكر في سورة الأعراف أنهم أخذتهم رجفة ، أي رجفت بهم أرضهم ، وزلزلت زلزالا شديدا أزهقت أرواحهم من أجسادها ، وصيرت حيوان أرضهم كجمادها ، وأصبحت جثثهم جاثية ؛ لا أرواح فيها ولا حركات بها ، ولا حواس لها.
وقد جمع الله عليهم أنواعا من العقوبات ، وصنوفا من المثلات ، وأشكالا من البليات ، وذلك لما اتصفوا به من قبيح الصفات ، سلط الله عليهم رجفة شديدة أسكنت الحركات ، وصيحة عظيمة أخمدت الأصوات ، وظلة أرسل عليهم منها شرر النار من سائر أرجائها والجهات.
ولكنه تعالى أخبر عنهم في كل سورة بما يناسب سياقها ويوافق طباقها ؛ في سياق قصة الأعراف أرجفوا نبي الله وأصحابه ، وتوعدوهم بالإخراج من قريتهم ، أو ليعودون في ملتهم راجعين. فقال تعالى : (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) فقابل الإرجاف بالرجفة ، والإخافة بالخيفة ، وهذا مناسب لهذا السياق ومتعلق بما تقدمه من السياق».
وأما في سورة هود : فذكر أنهم أخذتهم الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين ، وذلك لأنهم قالوا لنبي الله على سبيل التهكم والاستهزاء والتنقص : (أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) فناسب أن يذكر الصيحة التي هي كالزجر عن تعاطي هذا الكلام القبيح ، الذي واجهوا به هذا الرسول الكريم الأمين الفصيح ، فجاءتهم صيحة (١) أسكتتهم مع رجفة أسكنتهم.
__________________
(١) و : فنجاءهم في صيحة.