فلما خرج من عنده جاء أخوه العيص بما أمره به والده فقربه إليه ، فقال له : ما هذا يا بني؟
قال : هذا الطعام الذي اشتهيته ، فقال : أما جئتني به قبل الساعة وأكلت منه ودعوت لك؟
فقال : لا والله ، وعرف أن أخاه قد سبقه إلى ذلك ، فوجد في نفسه عليه وجدا كثيرا. وذكروا أنه تواعده بالقتل إذا مات أبوهما ، وسأل أباه فدعا له بدعوات أخرى ، وأن يجعل لذريته غليظ الأرض ، وأن يكثر أرزاقهم وثمارهم.
فلما سمعت أمهما ما يتواعد به العيص أخاه يعقوب ، أمرت ابنها يعقوب أن يذهب إلى أخيها «لابان» الذي بأرض حران ، وأن يكون عنده إلى حين يسكن غضب أخيه ، وأن يتزوج من بناته.
وقالت لزوجها إسحاق أن يأمره بذلك ويوصيه ويدعو له ، ففعل.
فخرج يعقوب عليهالسلام من عندهم من آخر ذلك اليوم ، فأدركه المساء في موضع فنام فيه ، وأخذ حجرا فوضعه تحت رأسه ونام ، فرأى في نومه ذلك معراجا منصوبا من السماء إلى الأرض ، وإذا الملائكة يصعدون فيه وينزلون ، والرب تبارك وتعالى يخاطبه ، ويقول له : إني سأبارك عليك وأكثر ذريتك ، وأجعل لك هذه الأرض ولعقبك من بعدك.
فلما هب من نومه فرح بما رأى ، ونذر الله لئن رجع إلى أهله سالما ليبنين في هذا الموضع معبدا لله عزوجل ، وأن جميع ما يرزقه من شيء يكون لله عشره.
ثم عمد الى ذلك الحجر فجعل عليه دهنا يتعرفه به ، وسمى ذلك الموضع : «بيت إيل» أي بيت الله وهو موضع بيت المقدس اليوم الذي بناه يعقوب بعد ذلك كما سيأتي.
قالوا : فلما قدم يعقوب على خاله أرض حران ، إذا له ابنتان : اسم الكبرى : «ليا» واسم الصغرى : «راحيل» وكانت أحسنهما وأجملهما ، فأجابه الى ذلك بشرط أن يرعى غنمه سبع سنين.
فلما مضت المدة على خاله «لابان» صنع طعاما وجمع الناس عليه ، وزف إليه ليلا ابنته الكبرى «ليا» ، وكانت ضعيفة العينين قبيحة المنظر. فلما أصبح يعقوب إذا هي «ليا» ، فقال لخاله :
غدرت بي؟ وأنا إنما خطبت إليك راحيل. فقال : إنه ليس من سنتنا أن نزوج الصغرى قبل الكبرى ، فإن أحببت أختها فاعمل سبع سنين أخرى وأزوجكها.
فعمل سبع سنين وأدخلها عليه مع أختها. وكان سائغا في ملتهم ثم نسخ في شريعة التوراة.
وهذا وحده دليل كاف على وقوع النسخ لأن فعل يعقوب عليهالسلام دليل على جواز هذا وإباحته ، لأنه معصوم. ووهب «لابان» لكل واحدة من ابنتيه جارية ؛ فوهب ليا جارية اسمها :
«زلفى» ، ووهب لراحيل جارية اسمها : «بلهى».
وجبر الله تعالى ضعف «ليا» بأن وهب لها أولادا ، فكان أول من ولدت ليعقوب ، روبيل ، ثم شمعون ، ثم لاوى ، ثم يهوذا. فغارت عند ذلك «راحيل» وكانت لا تحبل ، فوهبت ليعقوب جاريتها «بلهى» فوطئها فحملت ، وولدت له غلاما سمته «دان» ، وحملت وولدت غلاما آخر