من كلام يوسف ، وقيل من كلام زليخا وهو مفرع على القولين الأولين وكونه من تمام كلام زليخا أظهر وأنسب وأقوى. والله أعلم.
(وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ* قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ* وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ* وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) [١٢ / يوسف : ٥٤ ـ ٥٧]
لما ظهرت للملك براءة عرضه ، ونزاهة ساحته عما كانوا أظهروا عنه مما نسبوه إليه ، «ائتوني به أستخلصه لنفسي» أي أجعله من خاصتي ، ومن أكابر دولتي ، ومن أعيان حاشيتي ، فلما كلمه وسمع مقاله وتبين حاله (قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ) أي ذو مكانة وأمانة.
قال (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) طلب أن يوليه النظر فيما يتعلق بالأهراء ، لما يتوقع من حصول الخلل فيها (١) بعد مضي سبع سني الخصب ، لينظر فيها بما يرضى الله في خلقه ، من الاحتياط لهم والرفق بهم ، وأخبر الملك أنه حفيظ ، أي قوي على حفظ ما لديه أمين عليه ، عليم بضبط الأشياء ومصالح الأهراء.
وفي هذا دليل على جواز طلب الولاية لمن علم من نفسه الأمانة والكفاءة.
وعند أهل الكتاب : أن فرعون عظم يوسف عليهالسلام جدا ، وسلطه على جميع أرض مصر ، وألبسه خاتمه ، وألبسه الحرير وطوقه الذهب وحمله على مركبه الثاني ، ونودي بين يديه :
أنت رب ومسلط ، وقال له : لست أعظم منك إلا بالكرسي.
قالوا : وكان يوسف إذ ذاك ابن ثلاثين سنة ، وزوجه امرأة عظيمة الشأن وحكى الثعلبي أنه عزل قطفير عن وظيفته وولاها يوسف.
وقيل إنه لما مات زوجه امرأته زليخا فوجدها عذراء ، لأن زوجها كان لا يأتي النساء ، فولدت ليوسف عليهالسلام رجلين وهما : أفرايم (٢) ومنسا. قال : واستوثق ليوسف ملك مصر ، وعمل فيهم بالعدل فأحبه الرجال والنساء.
وحكي أن يوسف كان يوم دخل على الملك عمره ثلاثين سنة ، وأن الملك خاطبه بسبعين لغة ، وفي كل (٣) ذلك يجاوبه بكل لغة منها ، فأعجبه ذلك مع حداثة سنة. فالله أعلم.
قال الله تعالى : (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ) أي بعد السجن والضيق والحصر ، صار مطلق الركاب بديار مصر ، (يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ) أي أين شاء حل منها مكرما محسودا معظما.
__________________
(١) م : فيما بعد.
(٢) و : أفريتم.
(٣) : وكل.