يذكر تعالى ما كان من أمرهم بعد رجوعهم الى أبيهم وقولهم له : (مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ) أي بعد عامنا هذا إن لم ترسل معنا (١) أخانا فإن أرسلته معنا لم يمنع منا.
(وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي؟) أي شيء نريد وقد ردت إلينا بضاعتنا؟ (وَنَمِيرُ أَهْلَنا) أي نمتار لهم ونأتيهم بما يصلحهم في سنتهم ومحلهم ، (وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ) بسببه (كَيْلَ بَعِيرٍ).
قال الله تعالى : (ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ) أي في مقابلة ذهاب ولده الآخر.
وكان يعقوب عليهالسلام أضن شيء بولده بنيامين ؛ لأنه كان يشم فيه رائحة أخيه ويتسلى به عنه ، ويتعوض بسببه منه.
فلهذا قال : (لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ) أي إلا أن تغلبوا كلكم عن الإتيان به (فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ).
أكد المواثيق وقرر العهود ، واحتاط لنفسه في ولده ، ولن يغنى حذر من قدر! ولولا حاجته وحاجة قومه إلى الميرة ، لما بعث الولد العزيز ، ولكن الأقدار لها أحكام ، والرب تعالى يقدر ما يشاء ويختار ما يريد ، ويحكم ما يشاء وهو الحكيم العليم.
ثم أمرهم ألا يدخلوا المدينة من باب واحد ، ولكن ليدخلوا من أبواب متفرقة. قيل : أراد ألا يصيبهم أحد بالعين ، وذلك لأنهم كانوا أشكالا حسنة وصورا بديعة. قاله ابن عباس ومجاهد ومحمد بن كعب وقتادة والسدي والضحاك.
وقيل : أراد أن يتفرقوا لعلهم يجدون خبرا ليوسف أو يحدثون عنه بأثر. قاله إبراهيم النخعي.
والأول أظهر : ولهذا قال : (وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ).
وقال تعالى : (وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ ، إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها ، وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).
وعند أهل الكتاب : أنه بعث معهم هدية إلى العزيز من الفستق واللوز والصنوبر والبطم والعسل ، وأخذ الدراهم الأولى وعرضا (٢) آخر.
(وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ* فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ* قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ما ذا تَفْقِدُونَ* قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ
__________________
(١) و : فأرسل معنا أخانا.
(٢) و : وعوضوا آخر.