قال الله تعالى : (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ) أي أعطاهم من الميرة ما جرت به عادته ؛ من إعطاء كل إنسان حمل بعير لا يزيده عليه (قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ) ، وكان قد سألهم عن حالهم ، وكم هي؟ فقالوا : كنا اثني عشر رجلا ، فذهب منا واحد وبقي شقيقه عند أبينا. فقال :
إذا قدمتم من العام المقبل فأتوني به معكم.
(أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ؟) أي قد أحسنت نزلكم وقراكم ، فرغبهم ليأتوه به ثم رهبهم إن لم يأتوه به فقال (١) : (فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ) أي فلست أعطيكم ميرة ، ولا أقربكم بالكلية ، عكس ما أسدى إليهم أولا.
فاجتهد (٢) في إحضاره معهم ليبل شوقه منه بالترغيب والترهيب.
(سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ) أي سنجتهد في مجيئه معنا وإتيانه إليك بكل ممكن. (وَإِنَّا لَفاعِلُونَ) أي وإنا لقادرون على تحصيله.
ثم أمر فتيانه أن يضعوا بضاعتهم وهي ما جاءوا به يتعوضون به من الميرة في أمتعتهم من حيث لا يشعرون بها (لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) قيل أراد أن يردوها إذا وجدوها في بلادهم ، وقيل خشى ألا يكون عندهم ما يرجعون به مرة ثانية وقيل تذمم أن يأخذ منهم عوضا عن الميرة.
وقد اختلف المفسرون في بضاعتهم على أقوال سيأتي ذكرها. وعند أهل الكتاب : أنها كانت صررا من ورق ، وهو أشبه. والله أعلم.
* * *
(فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ* قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ* وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ* قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ* وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ* وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ.)
[١٢ / يوسف : ٦٣ ـ ٦٨]
__________________
(١) و : قال.
(٢) و : فاجتهدوا.