قالوا : وليس هذا القول مفرغا على قول من ينكر وجود الجنة والنار اليوم ولا تلازم بينهما ، فكل من حكي عنه هذا القول من السلف وأكثر (١) الخلف ، ممن يثبت وجود الجنة والنار اليوم ، كما دلت عليه الآيات الصحاح والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
* * *
* وقوله تعالى : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها) أي عن الجنة (فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ) أي من النعيم والنّضرة والسرور إلى دار التعب والكد والنكد ، وذلك بما وسوس لهما وزينه في صدريهما ، كما قال تعالى : (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما ، وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) يقول : ما نهاكما عن أكل هذه الشجرة إلا أن تكونا من الخالدين ، أي لو أكلتما منها لصرتما كذلك.
(وَقاسَمَهُما) أي حلف لهما على ذلك (إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) ، كما قال في الآية الأخرى (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ ، قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى؟) : أي هل أدلك على الشجرة التي إذا أكلت منها حصل لك الخلد فيما أنت فيه من النعيم ، واستمررت في ملك لا يبيد ولا ينقضي؟ وهذا من التغرير والتزوير والإخبار بخلاف الواقع.
والمقصود أن قوله شجرة الخلد التي إذا أكلت منها خلدت ، وقد تكون هي الشجرة التي قال الإمام أحمد : «حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا شعبة عن أبي الضحاك ، سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها :
شجرة الخلد» (٢).
وكذلك رواه أيضا عن غندر وحجاج ، عن شعبة ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة أيضا به.
قال غندر : قلت لشعبة : هي شجرة الخلد؟ قال ليس فيها [هي].
تفرّد به الإمام أحمد.
وقوله : (فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما ، وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) كما قال في طه (فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما ، وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) وكانت حواء أكلت من الشجرة قبل آدم ، وهي التي حدته على أكلها ، والله أعلم.
__________________
(١) و : وكثرهم.
(٢) الحديث رواه أحمد في مسنده واللفظ له (٢ / ٤٥٥ / حلبي). ورواه الدارمي في سننه (٢٠ / ١١٤ / ٢٨٤٢). ورواه البخاري في صحيحه (٥٩ / ٨ / ٣٢٥١ / فتح) وليس فيه لفظة «شجرة الخلد». ورواه أيضا في (٦٥ / ٥٦ / ٢ / ٤٨٨١ / فتح) ونهايته «واقرءوا إن شئتم (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) ، ورواه مسلم في صحيحه (٥١ / ١ / ٢٨٢٦) وليس فيه لفظة «شَجَرَةِ الْخُلْدِ» ورواه الترمذي في سننه (٣٩ / ١ / ٢٥٢٣). ورواه ابن ماجة في سننه (٣٧ / ٣٩ / ٤٣٣٥).