الأرض ولم يقل أنه رفع إلى السماء ، وخلق ليكون في الأرض ، وبهذا أعلم الربّ الملائكة حيث قال : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً).
قالوا وهذا قوله تعالى : (إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ)
[٦٨ / القلم : ١٧].
فالألف واللام ليسا للعموم ، ولم يتقدم معهود لفظي ، وإنما هما للمعهود الذهني الذي دل عليه السياق وهو البستان.
قالوا : وذكر الهبوط لا يدل على النزول من السماء.
قال الله تعالى : (قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ) [١١ / هود : ٤٨]
كان في السفينة (١) حين استقرت على الجوديّ ونضب الماء عن وجه الأرض أمر (٢) أن يهبط إليها هو ومن معه مباركا عليه وعليهم.*
وقال الله تعالى : (اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ.) [٢ / البقرة : ٦١]
وقال تعالى : (وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ.) [٢ / البقرة : ٧٤]
وفي الأحاديث واللغة من هذا كثير.
قالوا : ولا مانع ـ بل هو الواقع ـ أن الجنة التي أسكنها آدم كانت مرتفعة عن (٣) سائر بقاع الأرض ، ذات أشجار وثمار وظلال ونعيم ونضرة وسرور ، كما قال تعالى : (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى). أي لا يذل باطنك بالجوع ولا ظاهرك بالعري (وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) أي لا يمس باطنك حرّ الظمأ ولا ظاهرك حرّ الشمس ، ولهذا قرن بين هذا وهذا ، وبين هذا وهذا ، لما بينهما من الملاءمة.
فلما كان منه ما كان من أكله من الشجرة التي نهي عنها ، أهبط إلى أرض الشقاء والتعب والنّصب والكدر والسعي والنكد ، والابتلاء والاختبار والامتحان ، واختلاف السكان دينا وأخلاقا وأعمالا ، وقصودا وإرادات وأقوالا وأفعالا ، كما قال تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ).
ولا يلزم من هذا أنهم كانوا في السماء كما قال : (وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ ، فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً) ، ومعلوم أنهم كانوا فيها ولم يكونوا في السماء.
__________________
(١) و : السفن
(٢) م : وأمر.
(٣) و : على.