وقد أورد أصحاب القول الثاني سؤالا يحتاج مثله إلى جواب ، فقالوا : لا شك أن الله سبحانه وتعالى طرد إبليس حين امتنع من السجود عن الحضرة الإلهية. ، وأمره بالخروج عنها والهبوط منها وهذا الأمر ليس من الأوامر الشرعية بحيث يمكن مخالفته ، وإنما هو أمر قدري لا يخالف ولا يمانع ، ولهذا قال : (اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً). وقال : (فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها) وقال : (فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) والضمير عائد إلى الجنة أو السماء أو المنزلة. وأيا ما كان فمعلوم أنه ليس له الكون قدرا في المكان الذي طرد عنه وأبعد منه ، لا على سبيل الاستقرار ولا على سبيل المرور والاجتياز.
قالوا : ومعلوم من ظاهر سياقات القرآن أنه وسوس لآدم وخاطبه بقوله :
(هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى.) [٢٠ / طه : ١٢٠]
وبقوله : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ* وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ* فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ)
[٧ / الأعراف : ٢٠ ـ ٢٢]
وهذا ظاهر في اجتماعه معهما في جنتهما.
وقد أجيبوا عن هذا بأنه لا يمتنع أن يجتمع بهما في الجنة على سبيل المرور فيها لا على سبيل الاستقرار بها ، وأنه وسوس لهما وهو على باب الجنة أو من تحت السماء.
وفي الثلاثة نظر ، والله أعلم.
ومما احتج به أصحاب هذه المقالة : ما رواه عبد الله بن الإمام أحمد في الزيادات عن هدبة بن خالد ، عن حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن الحسن البصري ، عن يحيى بن ضمرة السعدي ، عن أبيّ بن كعب ، قال : إن آدم لما احتضر اشتهى قطفا من عنب الجنة ، فانطلق بنوه ليطلبوه له ، فلقيتهم الملائكة فقالوا : أين تريدون يا بني آدم؟ فقالوا إن أبانا اشتهى قطفا من عنب الجنة.
فقالوا لهم : ارجعوا فقد كفيتموه. فانتهوا إليه فقبضوا روحه وغسلوه وحنّطوه وكفنوه وصلى عليه جبريل ومن خلفه الملائكة ودفنوه ، وقالوا : هذه سنتكم في موتاكم.
وسيأتي الحديث بسنده ، وتمام لفظه عند ذكر وفاة آدم عليهالسلام.
قالوا : فلولا أنه كان الوصول إلى الجنة التي كان فيها آدم التي اشتهى منها القطف ممكنا ، لما ذهبوا يطلبون ذلك ، فدل على أنها في الأرض لا في السماء والله تعالى أعلم.
قالوا : والاحتجاج بأن الألف واللام في قوله : (وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) لم يتقدم عهد يعود عليه فهو المعهود الذهني مسلّم ، ولكن هو ما دل عليه سياق الكلام ، فإن آدم خلق من