الله إليهم نبيا يقال له حنظلة بن صفوان ، فكذبوه وقتلوه. فسار عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح وولده من الرس ، فنزل الأحقاف. وأهلك الله أصحاب الرس وانتشروا في اليمن كلها ، وفشوا مع ذلك في الأرض كلها. حتى نزل جبرون بن سعد بن عاد ابن عوص بن إرم بن سام بن نوح ، دمشق وبنى مدينتها ، وسماها جبرون ، وهي إرم ذات العماد وليس أعمدة الحجارة في موضع أكثر منها بدمشق ، فبعث الله هود بن عبد الله بن رباح بن خالد بن الخلود بن عاد ، أى ساد ، يعني أولاد عاد بارقاف فكذبوه ، فأهلكهم الله عزوجل.
فهذا يقتضي أن أصحاب الرس قبل عاد بدهور متطاولة فالله أعلم (١).
وروى ابن أبي حاتم عن أبي بكر بن أبي عاصم ـ عن أبيه عن شبيب بن بشر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : الرس بئر بأذربيجان. وقال الثوري عن أبي بكر عن عكرمة قال : الرس بئر رسوا فيها نبيهم ، أي دفنوه فيها.
قال ابن جريج قال عكرمة : أصحاب الرس بفلج وهم أصحاب يس. وقال قتادة : فلج من قرى اليمامة.
قلت : فإن كانوا أصحاب يس كما زعمه عكرمة ، فقد أهلكوا بعامة ، قال الله تعالى في قصتهم : (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ) وستأتي قصتهم بعد هؤلاء.
وإن كان غيرهم ، وهو الظاهر ، فقد أهلكوا أيضا وتبروا. وعلى كل تقدير فينافي ما ذكره ابن جرير.
وقد ذكر أبو بكر محمد بن الحسن النقاش : أن أصحاب الرس كانت لهم بئر ترويهم وتكفي أرضهم جميعها ، وكان لهم ملك عادل حسن السيرة ، فلما مات وجدوا عليه وجدا عظيما ، فلما كان بعد أيام تصور لهم الشيطان في صورته وقال : إني لم أمت ، ولكن تغيبت عنكم حتى أرى صنيعكم. ففرحوا أشد الفرح ، وأمر بضرب حجاب بينهم وبينه ، وأخبرهم أنه لا يموت أبدا ، فصدق به أكثرهم ، وأفتتنوا به وعبدوه. فبعث الله فيهم نبيا ، فأخبرهم (٢) ان هذا شيطان يخاطبهم من وراء الحجاب ، ونهاهم عن عبادته ، وأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له.
قال السهيلي : وكان يوحي إليه في النوم ؛ وكان اسمه حنظلة بن صفوان ؛ فعدوا عليه فقتلوه وألقوه في البئر ففار ماؤها وعطشوا بعد ريهم ؛ ويبست أشجارهم ، وانقطعت ثمارهم ، وخربت ديارهم وتبدلوا بعد الأنس بالوحشة ، وبعد الاجتماع بالفرقة ، وهلكوا عن آخرهم ، وسكن في مساكنهم الجن والوحوش (٣) ، فلا يسمع ببقاعهم إلا عزيف الجن وزئير الأسود (٤) وصوت الضباع.
فأما ما رواه ـ يعني ابن جرير ـ عن محمد بن حميد عن سلمة عن ابن إسحق عن محمد بن كعب القرظي قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن أول الناس يدخل الجنة يوم القيامة
__________________
(١) ابن عساكر في تاريخه (١ / ١٥ / تهذيب).
(٢) و : وأخبرهم.
(٣) و : والوحش.
(٤) م : الأسد.