العبد الأسود» وذلك أن الله تعالى بعث نبيا إلى أهل قرية فلم يؤمن به من أهلها إلا ذلك العبد الأسود ، ثم إن أهل القرية عدوا على النبي فحفروا له بئرا فألقوه فيها ثم أطبقوا عليه بحجر أصم ، قال : فكان ذلك العبد يذهب فيحتطب على ظهره ، ثم يأتي بحطبه فيبيعه ويشتري به طعاما وشرابا ، ثم يأتي به إلى تلك (١) البئر فيرفع تلك الصخرة ويعينه الله عليها ويدلي إليه طعامه وشرابه ، ثم يردها كما كانت.
قال : فكان كذلك ما شاء الله أن يكون : ثم إنه ذهب يوما يحتطب كما كان يصنع ، فجمع حطبه وحزم حزمته وفرغ منها ، فلما أراد أن يحتملها وجد سنة فاضطجع فنام (٢) ، فضرب الله على أذنه سبع سنين نائما. ثم إنه ذهب فتمطى فتحول (٣) لشقه الآخر ، فاضطجع فضرب الله على أذنه سبع سنين أخرى. ثم إنه هب واحتمل حزمته ولا يحسب أنه نام (٤) إلا ساعة من نهار ، فجاء إلى القرية فباع حزمته ثم اشترى طعاما وشرابا كما كان يصنع. ثم إنه (٥) ذهب إلى الحفيرة (٦) ، إلى موضعها الذي كانت فيه ، يلتمسه فلم يجده وقد كان بدا لقومه فيه بداء ، فاستخرجوه وآمنوا به وصدقوه.
قال فكان (٧) نبيهم يسألهم عن ذلك الأسود ما فعل ، فيقولون له ما ندري؟ حتى قبض الله النبي عليهالسلام وهب (٨) الأسود من نومته (٩) بعد ذلك ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن ذلك الأسود لأول من يدخل الجنة».
فإنه حديث مرسل ومثله فيه نظر. ولعل بسط قصته من كلام محمد بن كعب القرظي ـ والله أعلم.
ثم قد رده ابن جرير نفسه ، وقال : لا يجوز أن يحمل هؤلاء على أنهم أصحاب الرس المذكورون في القرآن ـ قال : لأن الله أخبر عن أصحاب الرس أنه أهلكهم وهؤلاء قد بدا لهم فآمنوا بنبيهم ، اللهم إلا أن يكون حدثت لهم أحداث آمنوا بالنبي بعد هلاك آبائهم والله أعلم.
ثم اختار أنهم أصحاب الأخدود وهو ضعيف. لما تقدم ، ولما ذكر في قصة أصحاب الأخدود حيث توعدوا بالعذاب في الآخرة إن لم يتوبوا ، ولم يذكر هلاكهم ، وقد صرح بهلاك أصحاب الرس. والله تعالى أعلم.
__________________
(١) و : ذلك.
(٢) و : نيام.
(٣) و : وتحول.
(٤) و : إلا أنه نام ساعة.
(٥) و : الحفرة.
(٦) و : وكان.
(٧) و : وأهب.
(٨) و : نومه.