الظالمين. فأقبلت هذه الدعوة تحت العرش ، فقالت الملائكة يا رب صوت ضعيف معروف من بلاد غريبة. فقال : أما تعرفون ذاك؟ قالوا : لا يا رب ومن هو؟ قال : عبدي يونس قالوا : عبدك يونس الذي لم يزل يرفع له عمل متقبل (١) ودعوة مجابة؟ قالوا : يا ربنا! أولا ترحم ما كان يصنعه في الرخاء فتنجيه من البلاء؟ قال : بلى. فأمر الحوت فطرحه في العراء.
ورواه ابن جرير عن يونس عن ابن وهب به.
زاد ابن أبي حاتم : قال أبو صخر حميد بن زياد فأخبرني ابن قسيط وأنا أحدثه هذا الحديث ، أنه سمع أبا هريرة يقول : طرح بالعراء ، وأنبت الله عليه اليقطينة. قلنا : يا أبا هريرة وما اليقطينة؟ قال شجرة الدباء قال أبو هريرة وهيأ الله له أروية (٢) وحشية تأكل من خشاش الأرض ، أو قال هشاش الأرض ، قال : فتفسخ عليه فترويه من لبنها كل عشية وبكرة حتى نبت.
وقال أمية بن أبي الصلت في ذلك بيانا من شعره :
فأنبت يقطينا عليه برحمة |
|
من الله لو لا الله أصبح ضاويا (٣) |
وهذا غريب أيضا من هذا الوجه. ويزيد الرقاشي ضعيف ، ولكن يتقوى بحديث أبي هريرة المتقدم ؛ كما يتقوى ذاك بهذا ، والله أعلم.
وقد قال الله تعالى : (فَنَبَذْناهُ) أي ألقيناه (بِالْعَراءِ) وهو المكان القفر الذي ليس فيه شيء من الأشجار ، بل هو عار منها ، (وَهُوَ سَقِيمٌ) أي ضعيف البدن. قال ابن مسعود : كهيئة الفرخ ليس عليه ريش ، وقال ابن عباس والسدي وابن زيد : كهيئة الصبي حين يولد وهو المنفوش ليس عليه شيء. (وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ) قال ابن مسعود وابن عباس وعكرمة ومجاهد وسعيد بن جبير ووهب بن منبه وهلال بن يساف وعبد الله بن طاووس والسدي وقتادة والضحاك وعطاء الخراساني وغير واحد : هو القرع.
قال بعض العلماء : في إنبات القرع عليه حكم جمة ، منها أن ورقه في غاية النعمومة ، وكثير ظليل ، ولا يقربه ذباب ، ويؤكل ثمره من أول طلوعه إلى آخره ، نيا ومطبوخا ، وبقشره وببزره أيضا. وفيه نفع كثير وتقوية للدماغ وغير ذلك.
وتقدم كلام أبي هريرة في تسخير الله تعالى له تلك الأروية التي كانت ترضعه لبنها وترعى في البرية ، وتأتيه بكرة وعشية. وهذا من رحمة الله به ونعمته عليه وإحسانه إليه. ولهذا قال تعالى :
(فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ) أي الكرب والضيق الذي كان فيه (وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) أي وهذا صنيعنا بكل من دعانا واستجار بنا.
__________________
(١) و : لم نزل نرفع له عملا متقبلا.
(٢) الاروية : أنثى الوعل. والجمع أروى وانظر الحيوان للجاحظ (٣ / ٤٩٨).
(٣) و : ألفي ضافيا.