وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ* فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ* وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ.)
[٢٨ / القصص : ٧ ـ ٩]
هذا الوحي وحي إلهام وإرشاد كما قال تعالى : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ* ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.)
[١٦ / النحل : ٦٨ ـ ٦٩]
وليس هو بوحي (١) نبوة كما زعمه ابن حزم وغير واحد من المتكلمين ، بل الصحيح الأول ، كما حكاه أبو الحسن الأشعري عن أهل السنة والجماعة.
قال السهيلي : واسم أم موسى «أيارخا» وقيل «أياذخت». المقصود أنها أرشدت الى هذا الذي ذكرناه ، وألقي في خلدها وروعها ألا تخافي ولا تحزني ؛ فإنه إن ذهب فإن الله سيرده إليك ، وإن الله سيجعله نبيا مرسلا ، يعلي كلمته في الدنيا والآخرة ، فكانت تصنع ما أمرت به فأرسلته ذات يوم وذهلت أن تربط في طرف الحبل عندها فذهب مع النيل فمر على دار فرعون (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ) قال الله تعالى : (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً). قال بعضهم : هذه لام العاقبة ، وهو ظاهر إن كان متعلقا بقوله فالتقطه. وأما إن جعل متعلقا بمضمون الكلام ، وهو أن آل فرعون قيضوا لالتقاطه ليكون لهم عدوا وحزنا ، صارت اللام معللة كغيرها ، والله أعلم.
ويقوى هذا التقدير الثاني قوله : (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ) وهو الوزير السوء (وَجُنُودَهُما) التابعين لهما (كانُوا خاطِئِينَ) ، أي كانوا على خلاف الصواب ، فاستحقوا هذه العقوبة والحسرة.
وذكر المفسرون : أن الجواري التقطنه من البحر في تابوت مغلق عليه ، فلم يتجاسرن على فتحه ، حتى وضعنه بين يدي امرأة فرعون «آسية» بنت مزاحم بن عبيد بن الريان بن الوليد ، الذي كان فرعون مصر في زمن يوسف. وقيل إنها كانت من بني إسرائيل من سبط موسى. وقيل بل كانت عمته ، حكاه السهيلي ، فالله أعلم.
وسيأتي مدحها والثناء عليها في قصة مريم بنت عمران ، وأنهما يكونان يوم القيامة من أزواج رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الجنة.
فلما فتحت الباب وكشفت الحجاب ، ورأت وجهه يتلألأ بتلك الأثواب النبوية والجلالة الموسوية ، فلما رأته ووقع نظرها عليه أحبته حبا شديدا جدا فلما جاء فرعون قال : ما هذا؟ وأمر بذبحه ، فاستوهبته منه ودفعت عنه وقالت : (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) فقال لها فرعون : أما لك فنعم وأما
__________________
(١) و : وحي نبوة.