وعكرمة وقتادة والسدي : وذلك نصف النهار ، وعن ابن عباس : بين العشائين.
(فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ) أي يتضاربان ويتهارشان (هذا مِنْ شِيعَتِهِ) أي اسرائيلي ، (وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ) أي قبطى. قاله ابن عباس وقتادة والسدي ومحمد بن إسحاق.
(فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ) وذلك أن موسى عليهالسلام كانت له بديار مصر صولة ، بسبب نسبته إلى تبني فرعون له وتربيته في بيته ، وكانت بنو إسرائيل قد عزوا وصارت لهم وجاهة ، وارتفعت رؤوسهم بسبب أنهم أرضعوه ، وهم أخواله أي من الرضاعة ، فلما استغاث ذلك الإسرائيلي موسى عليهالسلام على ذلك القبطي أقبل إليه موسى (فَوَكَزَهُ) قال مجاهد : أي طعنه بجمع كفه ، وقال قتادة : بعصا كانت معه ، (فَقَضى عَلَيْهِ) أي فمات منها.
وقد كان ذلك القبطي كافرا مشركا بالله العظيم ، ولم يرد موسى قتله بالكلية ، وإنما أراد زجره وردعه. ومع هذا ، «قال» موسى : (هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ* قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ) أي من العز والجاه (فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ).
وقال تعالى :
(فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ* فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ* وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ* فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.)
[٢٨ / القصص : ١٨ ـ ٢١]
يخبر تعالى أن موسى أصبح بمدينة مصر خائفا ـ أي من فرعون وملئه ـ أن يعلموا أن هذا القتيل الذي رفع إليه أمره ، إنما قتله موسى في نصرة رجل من بني إسرائيل ، فتقوى ظنونهم أن موسى منهم ، ويترتب على ذلك أمر عظيم.
فصار يسير في المدينة في صبيحة ذلك اليوم (خائِفاً يَتَرَقَّبُ) أي يتلفت ، فبينما هو كذلك ، إذا ذلك الرجل الأسرائيلي الذي استنصره بالأمس يستصرخه ، أي يصرخ به ويستغيثه على آخر قد قاتله ، فعنفه موسى ولامه على كثرة شره ومخاصمته ، قال له : (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) ثم أراد أن