يبطش بذلك القبطي ، الذي هو عدو لموسى وللإسرائيلي ، فيردعه عنه ويخلصه منه ، فلما عزم على ذلك وأقبل على القبطي (قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ ، إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ).
قال بعضهم : إنما قال هذا الكلام الإسرائيلي الذي اطلع على ما كان صنع موسى بالأمس ، وكأنه لما رأى موسى مقبلا إلى القبطي اعتقد أنه جاء إليه ، لما عنفه قبل ذلك بقوله : (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) فقال ما قال لموسى ، وأظهر الأمر الذي كان وقع بالأمس. فذهب القبطي فاستعدى (١) فرعون على موسى. وهذا الذي لم يذكر كثير من الناس سواه ويحتمل أن قائل هذا الكلام هو القبطي ، وأنه لما رآه مقبلا إليه خاف ، ورأى من سجيته انتصارا جديدا (٢) للإسرائيلي. فقال ما قال من باب الظن والفراسة : إن هذا لعله قاتل ذاك القتيل بالأمس ، أو لعله فهم من كلام الإسرائيلي حين استصرخه عليه ما دله على هذا. والله أعلم.
والمقصود أن فرعون بلغه أن موسى هو قاتل ذلك المقتول بالأمس فأرسل في طلبه ، وسبقهم رجل ناصح من طريق أقرب. «وجاء من أقصى المدينة ساعيا» اليه مشفقا عليه فقال : (يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ) أي من هذه البلدة (إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) أي فيما أقوله لك.
* * *
قال الله تعالى : (فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ ،) أي فخرج من مدينة مصر من فوره على وجهه لا يهتدي الى طريق ولا يعرفه ، قائلا : (رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ* وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ* وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ* فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ.)
[٢٨ / القصص : ٢١ ـ ٢٤]
يخبر تعالى عن خروج عبده ورسوله وكليمه من مصر خائفا يترقب ، أي يتلفت ، خشية أن يدركه أحد من قوم فرعون ، وهو لا يدري أين يتوجه ، ولا إلى أين يذهب ؛ وذلك لأنه لم يخرج من مصر قبلها.
__________________
(١) م : فاستدعي.
(٢) و : جيدا.