(وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ) أي اتجه له طريق يذهب فيه ، (قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) أي عسى أن تكون هذه الطريقة موصلة الى المقصود. وكذا وقع ، فقد أوصلته الى المقصود وأي مقصود.
(وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ) وكانت بئرا يستقون منها ، ومدين هي المدينة التي أهلك الله فيها أصحاب الأيكة ، وهم قوم شعيب عليهالسلام ، وقد كان هلاكهم قبل زمن موسى عليهالسلام في أحد قولي العلماء.
ولما ورد الماء المذكور (وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ* وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ) أي تكفكفان [عنهما غنمهما](١) أن تختلط بغنم الناس.
وعند أهل الكتاب أنهن كن سبع بنات ، وهذا أيضا من الغلط ، ولعلهن كن سبعا (٢) ، ولكن إنما كانت تسقي اثنتان منهن ، وهذا الجمع ممكن إن كان ذاك محفوظا ، وإلا فالظاهر أنه لم يكن له سوى بنتين (قالَ ما خَطْبُكُما؟ قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ) أي لا نقدر على ورود الماء بعد صدور الرعاء ، لضعفنا ، وسبب مباشرتنا هذه الرعية ضعف أبينا وكبره. قال الله تعالى (فَسَقى لَهُما).
قال المفسرون : وذلك أن الرعاء كانوا إذا فرغوا من وردهم ، وضعوا على فم البئر صخرة عظيمة ، فتجيء هاتان المرأتان فيشرعان غنمهما (٣) في فضل أغنام الناس ، فلما كان ذلك اليوم ، جاء موسى فرفع تلك الصخرة وحده ، ثم استقى لهما وسقى غنمهما ، ثم رد الحجر كما كان. قال أمير المؤمنين عمر : وكان لا يرفعه إلا عشرة ، وإنما استقى ذنوبا واحدا فكفاهما.
ثم تولى إلى الظل ، قالوا : وكان ظل شجرة من السمر ، وروى ابن جرير عن ابن مسعود أنه رآها خضراء ترف (فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ).
قال ابن عباس : سار من مصر إلى مدين لم يأكل إلا البقل وورق الشجر ، وكان حافيا (٤) فسقطت نعلا قدميه من الحفاء وجلس في الظل (٥) ـ وهو صفوة الله من خلقه ـ وإن بطنه للاصق (٦) بظهره من الجوع ، وإن خضرة البقل لترى من داخل جوفه ، وإنه لمحتاج إلى شق تمرة.
قال عطاء بن السائب لما قال : (رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) أسمع المرأة.
يقول تعالى :
__________________
(١) من و.
(٢) و : وكأنه كان ..
(٣) و : غنمهم
(٤) و : وكان خائفا.
(٥) و : إلى الظل.
(٦) و : لاصق.