(فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ* قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ* قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ* قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ.)
[٢٨ / القصص : ٢٥ ـ ٢٨]
لما جلس موسى عليهالسلام في الظل وقال : (رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) سمعته المرأتان فيما قيل ، فذهبتا إلى أبيهما ، فيقال إنه استنكر سرعة رجوعهما ، فأخبرتاه بما كان (١) من أمر موسى عليهالسلام. فأمر إحداهما ، أن تذهب إليه فتدعوه ، (فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ) أي مشي الحرائر ، (قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا). صرحت له بهذا لئلا يوهم كلامها ريبة ، وهذا من تمام حيائها وصيانتها. (فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ).
وأخبره خبره ، وما كان من أمره في خروجه من بلاد مصر فرارا من فرعونها ، «قال» له ذلك الشيخ (لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي خرجت من سلطانهم فلست في دولتهم.
وقد اختلفوا في هذا الشيخ من هو؟ فقيل هو شعيب عليهالسلام. وهذا هو المشهور عند كثيرين وممن نص عليه الحسن البصري ومالك بن أنس ، جاء مصرحا به في حديث ولكن في إسناده نظر.
وصرح طائفة بأن شعيبا عليهالسلام عاش عمرا طويلا بعد هلاك قومه ، حتى أدركه موسى عليهالسلام وتزوج بابنته.
وروى ابن أبي حاتم وغيره عن الحسن البصري : أن صاحب موسى عليهالسلام هذا ، اسمه شعيب ، وكان سيد الماء ، ولكن ليس بالنبي صاحب مدين. وقيل : إنه ابن أخي شعيب ، وقيل : ابن عمه ، وقيل : رجل مؤمن من قوم شعيب ، وقيل : رجل اسمه «يثرون» وهكذا هو في كتب أهل الكتاب : يثرون كاهن مدين. أي كبيرها وعالمها.
وقال ابن عباس وأبو عبيدة بن عبد الله : اسمه يثرون ، زاد أبو عبيدة : وهو ابن أخي شعيب. وزاد ابن عباس : صاحب مدين (٢).
والمقصود : أنه لما أضافه وأكرم مثواه ، وقص عليه ما كان من أمره بشره بأنه قد نجا ، فعند ذلك قالت إحدى البنتين لأبيها : (يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) أي لرعي غنمك ، ثم مدحته بأنه قوي أمين.
__________________
(١) و : ما كان.
(٢) رواه ابن كثير في التفسير (١ / ٣٨٤ / حبي).